قرن من الزمان مرّ على تاريخ بني هاشم السياسي الحديث–حتى اليوم–وما يزال يكتنفه الكثير من الغموض والغبن والتشويه. لا نحسب أن أحداً يتنكر لهذه الحقيقة. في عام 1908م أمَّرَ الأتراك العثمانيون الشريف حسين بن علي أميراً على مكة المكرمة. وبعد ثمانية أعوام فقط 1916م أعلن الشريف حسين ثورته العربية الكبرى عليهم، ليكون–فيما بعد–ملكاً على العرب، وليتوزع أنجاله الثلاثة (علي، عبد الله، فيصل الأول) ملوكاً على الحجاز والأردن والشام، ومن ثم العراق. انتهى حكمهم في ثلاث دول، وما زالوا يحكمون رابعة (الأردن)، وهم يأملون استعادة عرش دولة أخرى (العراق).
غير أن أفظع نهاياتهم وأبشعها، تلك التي كانت ببغداد في 14 تموز 1958م حيث لم ينجُ من “مذبحة قصر الرحاب” غير أميرة من العائلة المالكة، هي الأميرة بديعة ابنة الملك علي، حفيدة الشريف حسين بن علي في (82) الثانية والثمانين من عمرها الآن، تعيش بلندن. تحمل على أكتافها ذكريات وهموم وأحزان جدّها وأبيها وأعمامها الملوك (الحسين علي، عبد الله، فيصل الأول، الأمير زيد) وأبنائهم وأحفادهم الملوك (غازي وفيصل الثاني، طلال وحسين) وغيرهم من الأمراء والأميرات. ترويها للتاريخ، وتروي معها سيرة أخيها الأمير عبد الإله، وأمها الملك نفيسة، وأخواتها، الملكة عالية. الأميرتين عبدية وجليلة.
إذاً لهذه المذكرات ميزة خاصة، انفردت بها عن كل ما كُتب وقيل إلى اليوم عن العهد السابق وعن أحداثه، غير أن الجرأة والصدق والعفوية مميزات أخرى غلفت المذكرات. فلا تكاد صفحة من صفحاتها خلت من نقد، أو تقييم سياسي لاذع أحياناً، أو خفيف في أحيان أخرى. وقد يظن قارئها–لأول وهلة–بأن الاجتماعات طغت على السياسيات فيها، وربما فاته أن الاجتماعات هنا ذات إيحاءات ومدلولات سياسية، ناهيكم عن كون المذكرات سياسية في الأصل أما ميزتها الخاصة والفريدة، تختزلها ما خُط على الغلاف من أنها “أهم وثيقة عربية في القرن العشرين“؛ وهذه الميزة هي احتواءها على مائة وسبعين صورة، معظمها يُنشر لأول مرة.