البطل الرئيسي في رواية محمد البساطي الأخيرة ” فردوس ” (8) هو شقاء الجموع في قرية نائية. هذا الشقاء والكدح الذي يرسمه البساطي بضربات ريشة سريعة في يد فنان متمكن ومدهش. الشخصية الرئيسية عنده هي فردوس التي أصبحت الزوجة الثانية لفلاح لديه بيته الأول وأولاده. وتعيش فردوس الشابة القوية الجميلة حياة محكوم عليها بالحرمان من أية متع عقلية أو روحية، مثل حياة القرية المصرية، أقصى ما يمكن للمرء أن ينتزعه منها أقداح الشاي وأنفاس الدخان وتأمل القمر. وحين تفكر فردوس في ترك بيتها فإن كل ما يعنيها أن تأخذ معها ثروتها، كل ثروتها التي نكتشف أنها ليست سوى ” أربع قطع صابون “، و ” الشباشب ..
لن تترك فردة شبشب واحدة “، ثم البيض .. هل تدعه هنا ؟ . ستسلقه وتأخذه لكي لا تترك شيئا لأحد . هكذا كومت فردوس كل ما لديها ” وسط الملاءة المفرودة .. وحملت بقجتها وسحبت العنزة وأغلقت باب الدار خلفها ” ! أما زوجها فإنه فلاح فقير إلى درجة أنه : ” ينحني ليلتقط نتفة قطن رآها بين قدميه، ينظفها بضربات من ظفر إصبعه ، ويضعها في جيب الصديري “. يصف البساطي شقاء القرية ببراعة مذهلة، لكن المشكلة أن ذلك الشقاء لا يواجه بأية رغبة في مقاومته أو التصدي له . إنه شقاء مقسم بالعدل، ولا يلوح من بين طبقاته الكثيفة وعي فردي بما يجرى، ولا وعي جماعي، مجرد شقاء عام، لا ينطوي على بذرة احتجاج أو مشروع للمقاومة.
وللمقارنة يمكن أن تستعيد صور الفلاحين في رواية الأرض عند عبد الرحمن الشرقاوي والحلم الجماعي الذي كان يربطهم بالتحرر من سطوة الإقطاع وعلاقات الاستغلال. وعندما يتلاشى حلم ووعي مشترك، يصبح أقصى ما يمكن لفردوس أن تنتزعه من حياة ” القرية الغارقة في سباتها ” هو تلك اللحظات القليلة من ليالي الصيف التي تفتح فيها شباك الحجرة .. وتحدق للسماء والنجوم خلال الشباك حتى يغلبها النوم “