يزخر القرآن الكريم بالعديد من الآيات التى تشير إلى الكون وما به من كائنات (أحياء وجمادات) وإلى صور من نشأتها ومراحل تكونها، وإلى العديد من الظواهر الكونية التى تصاحبها، وقد أحصى الدارسون من مثل هذه الآيات حوالى الألف آية صريحة، بالإضافة إلى آيات أخرى عديدة تقرب دلالاتها من الصراحة؛ مما يبلغ بالآيات الكونية إلى سدس آيات القرآن الكريم تقريبا. ويقف المفسرون من هذه الآيات الكونية مواقف متعددة، فمنهم المضيقون والموسعون والمعتدلون، فالمضيقون يرون أن تلك الإشارات لم ترد فى القرآن لذاتها، وإنما وردت من قبيل الاستدلال على قدرة الله (تعالى)، وإبداعه فى خلقه، وقدرته على إفناء الخلق وإعادته من جديد، ومن ثم فلا يجوز تفسيرها فى ضوء من معطيات العلوم الحديثة، وذلك بدعوى انطلاق الكتابات العلمية من منطلقات مادية، منكرة لكل ما هو فوق المدرك المحسوس.
أما الموسعون فيرون أن القرآن الكريم يشتمل على جميع العلوم والمعارف، ولا بد لحسن فهم ذلك من تفسيره على ضوء ما تجمع لدى الإنسان من رصيد علمى خاصة فى مجال العلوم البحتة والتطبيقية، ومن ثم فقد قاموا بتبويب آيات الكونيات فى كتاب الله وتصنيفها حسب التصانيف المعروفة فى مختلف مجالات تلك العلوم، وقد تميَّز ذلك بشىء من التكلف الذى أدى إلى رفض المنهج والوقوف فى وجهه. أما المعتدلون فيرون أنه مع التسليم بأن الإشارات الكونية فى القرآن الكريم قد وردت فى معرض التذكير بقدرة الله، وبديع صنعه، فإنها تبقى بيانًا من الله، خالق الكون ومبدع الوجود، ومن ثم فهى كلها حق مطلق. ولا غرابة إذن من انسجامها مع قوانين الله وسننه فى الكون، ومع معطيات العلوم الحديثة عن حقائق هذا الكون.