شغلتني قضية التكفير منذ سنوات عديدة عندما حضر إلى بعض الإخوة الذين خرجوا من المعتقلات والسجون بعد محنة الإخوان المسلمين الثالثة في عهد الثورة، وكانت مما حدثنا عنه هؤلاء الإخوة، هذه الظاهرة الجديدة التي كانت الشغل الشاغل للمعتقلين والسجناء والسلطة الحاكمة آنذاك، ألا وهي ظاهرة “التكفير” أو الغلو فيه، وإلتفاف طائفة- جلهم من الشباب الحديث السن، الحديث العهدة بالدعوة – حول هذا الفكر المتطرف، إلى حد جعلهم يرفضون الصلاة مع إخوانهم في العقيدة والفكر، وشركائهم في الإضطهاد والمحنة، وأساتذتهم في الدعوة والحركة، ولا يصعب على الدارس أن يلمس سبب هذا التطرف، فهم يكمن في المعاملة الوحشية التي عومل بها السجناء والمعتقلون، والتي لا تتفق مع دين ولا خلق ولا قانون ولا إنسانية
وكان السؤال الأول الذي طرح نفسه: ما حكم هؤلاء الناس الذين يعذبوننا بقسوة وجراءة؟ أو على الأصح: ما حكم من ورائهم من الحكام الذين يأمرونهم بتعذيبنا إلى حد الموت، لا لشئ إلا لأننا ندعوهم إلى الحكم بما أنزل الله؟ وكان الجواب عندهم جاهزاً: أخذوه من ظاهر بعض النصوص: من آيات القرآن مثل آية “المائدة”: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وقالوا: من لم يكفر هؤلاء الحكام ومن والاهم فهو كافر؛ لأن الشك في كفر الكفار كفر، كمن شك في كفر المشركين واليهود والنصارى والمجوس وأمثالهم، ومن هنا بدأ نطاق التكفير يتسع لا ليشمل من والى الحكام أورضي بحكمهم، بل من سكت عن تكفيرهم، وهذا يعم جمهور الناس.