بات من المقرر الذي لا يقبل الجدال لدى حاضر الأمة وغابرها أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل الأزمنة والأمكنة ومختلف الأحوال والبيئات للأفراد والجماعات، لما تمتاز به عن سائر الشرائع والقوانين من خصوبة في مصادرها، ولما يسودها من نزعة عالمية وصبغة إنسانية وإحكام خالدة على ممر الزمان. تنطبع هذه الأحكام بطابع السهولة والمساحة والمرونة في التكييف.
ثم إنها عند التطبيق نجدها قابلة لكل ما يحقق المصالح، ويدفع أوجه الضرر، ففي مجال الاجتهاد بالرأي السليم، وهو يشمل القياس والاستحسان والاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف المعتبر شرعاً، ومراعاة قواعد الشرع الكلية لإثبات الأحكام فيما لم ينص عليه أو في النصوص المحتملة للاجتهاد بالاعتماد على ما عرف من أصول الشريعة العامة، وبالاستناد إلى علل الأحكام والأسرار التشريعية، في هذا المجال، ما يكفل وفاء هذه الشريعة بحاجات الأمم، ويجعلها شريعة الخلود والبقاء والتقدم والارتقاء.
وإنني آت على تفصيل أحد هذه المصادر ألا وهو “سد الذرائع” محققاً خلاف العلماء فيه ونتيجة ذلك، ومبيناً أسباب معارضة المخالفين، ثم رجحت ما سلم دليله، وضربت الأمثال لإيضاح ما عرضت، وربما أسهبت في بعضها لما له من الأهمية العملية، وقد عنيت بتحقيق موضع الخلاف في هذا الأصل لأن هذه الأدلة السالفة الذكر اختلفوا في صحة الاعتماد عليها، وفي العمل بها قلة وكثرة مما ترتب عليه الاختلاف في الأحكام المستنبطة.