وإذا كان الإنسان في العقيدة الإسلامية يتساوى مع سائر الموجودات من جهة وضعه الوجودي، إلاّ أنّه يشترك معها في القصور الذاتي الذي صارت من خلاله معلولة للخالق سبحانه وتعالى، فإنه من حيث وضعه القيمي يتميز منها تميزاً نوعياً، مما يجعله يستقل بسلم قيمي يتجاوز ذلك الذي تندرج ضمنه سائر الموجودات الكونية تجاوز استعلاء ورفعة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ (الإسراء: 70), إن التكريم في هذه الآية نراه شاملاً للإنسان بمقتضى مطلق الإنسانية فيه، ومتجلياً في تسخير البر والبحر -الكون- لما فيه خيره، وهما المظهران الأساسيان اللذان يشكلان الموقف العقدي في تقويم الإنسان.
في هذا الجزء الأول من هذا المشروع، يتساءل الباحث عن حقيقة الوجود الإنساني من حيث المبدأ وجوديا و زمنيا.