يخرج الناس من الدير إلى المصنع ثم يعودون من المصنع إلى الدير.
يعترفون وسط ضوء الشموع الخافت، نظيفين ونادمين، بما تسمح به حدود اللياقة والقدرة على مواجهة النفس. ثم تُسمع في الليل تنهداتهم وأصوات خطاياهم، عبر النوافذ الطويلة القريبة من الأرض، وسط هدير المحركات وصخب التروس وزعيق السادة. تتسلل الهمهمات وتنهدات اللذة غير المكتملة والاتفاقات المختلسة على ليلة قد تتحقق، تتسلل وتصل لأسماع الجميع كأنها الصوت الوحيد في كل هذه الضجة. في البيوت يتناولون الطعام وينامون مؤرقين، كل بكفيه اللذين يسد بأحدهما طوبة ليضمن آخرته وبالثانية يضمن عبوديته. لايفكرون مع ذلك في رعب الغرف والأشباح الصباحية التي تجعل الهواء حلما كثيفا لا سبيل إلى اجتيازه
“ربما كانت شريعة القطة هي الرواية الأكثر طموحاً وتجريباً بين أعمال الروائي المصري طارق إمام، ليس فقط لأنها تتخذ من الحيوان بطلاً مطلقاً لها، وتنطق بصوته، في اتصالٍ عصري بموروث القص العربي على لسان الحيوان، لكن شريعة القطة تقدم اقتراحاً جمالياً خاصاً، استناداً لفضاء قصة الخلق، لتعيد تقديمها في نصٍ روائي تهكمي، شعري، يقرأ العالم الحديث من خلال أضعف حلقاته: الحيوان، كمرادف للغريزة المقموعة تحت عجلات الحياة المعاصرة
القطة هنا تقدم بمنطق الكارتون وقصص الكوميكس، تحيا وتموت مرة بعد مرة لتعود للظهور مجدداً في مغامرات متتالية. والرواية إذ تستلهم أدبيات الرسوم المتحركة وتستند للمخيلة الطفولية في رؤية العالم، فإنها وبالقوة نفسها تقدم بنية مبتكرة عبر محكيات متتالية مولّدة، بالطريقة الحكائية لـ” ألف ليلة وليلة“، لا تلتزم التطور الخطي التقليدي للحدث الروائي، كما تقدم اقتراحاً شعرياً للنص السردي على مستوى اللغة والنظرة الكلية للعالم