ان الدعوة الى التنمية التى تطرح أمامنا يوميا لا تكتفى بتجاهل القضية الحضارية بل انها لا تتورع عن اعتبار أغلى مقومات ثقافتنا من “عوائق التنمية”. فهى لا تكتفى بتحويل الوسيلة الى هدف، بل تضحى بالهدف الاسمى فى سبيل مضاعفة السلع والخدمات. فالايمان بالله فى نظر اقتصاديى التنمية المحدثين، قدرية تضعف الحافز على التغيير واحراز التقدم، والولاء للعائلة والارتباط العاطفى والمادى بها يضعف حافز الفرد لاحراز النجاح المادى لنفسه، والكرم اسراف، والقناعة مدعاة للركود، والقدرة على التعاطف مع الغير أو على الاستمتاع بالفراغ مضيعة لوقت ثمين كان يمكن أن ينفق على انتاج المزيد من السلع… الخ.
ان الاقتصادى الحديث على استعداد اذن للتضحية عن طيب خاطر بشخصية الأمة فى سبيل معدل أعلى للنمو، ولا تكاد تكون هناك قيمة واحدة من القيم الاجتماعية أو الدينية السائدة فى البلاد الفقيرة لا يعتبرها من “معوقات النمو”. والنمو عنده، وان كان نموا اقتصاديا، فانه ينقسم الى مراحل، كل مرحلة منها لا تتسم فقط بسمات اقتصادية بل بمختلف السمات الاجتماعية والعقائدية. ومن ثم فليست مستويات الدخل وحدها هى التى يرتبها الاقتصادى واحدة فوق الأخرى، بل والقيم الاجتماعية أيضا يمكن ترتيبها، فى نظره، بعضها فوق البعض. على أن أبلغ رد على التصوير الاقتصادى لمشكلة مصر هى أن التصوير المعاكس، الذى ندعو اليه، يتيح فرصة أكبر لحل مشكلتنا الاقتصادية نفسها من أى موقف يتخذه الاقتصاديون “التكنوقراطيون”.