لم أكن أتوقع بأن مشكلة العبور ستكون ملتصقة بالبحر وموجه، أو بالقارب ورقته، ففي حقيقة الأمر كنت قد لمست بأن وسائل النجاة التي كنا نتعامل بها هي ذاتها وسائل الموت التي كانت تهددنا وتنبئنا بالغرق!!…. يا للعجب، ضدان في ذات الكيان، في الوقت الذي به تكون هي مصدر أمان لنا، كانت مصدر خطورة واضحة علينا، لقد تعلقت الأمور بالقارب ورقته وبالبحر وهيجانه وعمقه، وبحيثيات سلوكنا ودجن وشياط صبرنا.
كنا نشهد الخطر يلتف على رقابنا كحبل المشنقة، كان مموه بالأدوات التي نتعامل بها، مدفون في شاسعة البحر وقوة موجه، غائر بغشاء القارب ورقته، لائذا بأحذيتنا وخشونتها، متلحف بعصف التيه والحيرة التي صار يرتفع وتيرها مع مرور الزمن، ماثلا بالصمت والخوف الغائر في عيون الاطفال والنساء، بالسكون العائم حولنا، بسخط الماء وجزل ملحه، بعتمة الليل ودماسته. ناهيك عن الريح السهجة التي أضحت تخاتلنا، تهاجمنا على حين غفلة، تؤجج الموج علينا.