أبو نعوم فات التسعين بضع خطوات وظل يروح ويجيء. لم تهرهر التسعون جدران بنيته الشامخة. هيكل ضخم، أحكم بنيانه مناخ قريته الجبلية، فكأنما استعيرت مواده من صخور ضيعته السمراء. حاجبان ثقيلان، ورأس مدوَّر أسمر، نحاسي، خربش الزمن حول أنفه الأفطس خطوطًا مزرقَّة كأنها الزنجار. ما شانَ ذلك الوجه الصلب في شيخوخة أبي نعوم المباركة إلا رمد ربيعي اجتمع أشده في السبعين، فصارت حدقتاه كعيني الوروار. وفي الثمانين ارتخى جفناه فانقلبا ظهرًا لبطن. أما عقله وجميع حواسه فما أخذت منها الأيام شيئًا، عقل ابن ثلاثين لولا أنه يحدث نفسه بصوت عالٍ.