الغلاف: من قصة بياض و رياض، بياض يغني و يعزف على العود، أمام إحدى السيدات و وصيفاتها. المغرب – القرن الثالث عشر الميلادي (المكتبة الانكليزية في الفاتيكان
إن الانطباع الذي يحتفظ به المرء عن “الليالي” هو أن الكلام سيد فيها، إذ يتحقق التواصل بطريقة شفهية، فالحكايات لا تقرأ بل تسمع، ومع ذلك إذا نظر إليها عن كثب فسيتبين أن السرد الشفهي لا يعدو أن يكون مرحلة من مراحلها تتلوها أخري حاسمة هي مرحلة تدوين الحكاية كتابة. وتتكرر هذه العملية مراراً (وبصفة خاصة عندما يكون الملتقي ملكاً) إلي حد تفرض معه الخلاصة التالية نفسها: لا تتم المصادفة النهائية علي الحكاية، حقاً، إلا عندما تصل إلي الكتاب.
من ثم تنبثق سلسلة من التساؤلات: من القادر علي تمرير الحكاية من سجل الشفهي إلي سجل الكتابي؟ ماذا يمكن القول عن مفهوم الراوي ومفهوم المؤلف؟ إلي أية خزانة يؤول الكتاب؟ وأية أيد تستطيع فتحه؟ ولماذا حالما يتم تسجيل الحكاية لا يبقى ثمة ما يروى، اللهم موت الشخوص؟ بواسطة أي مفعول سحري يغدو الكتاب عنصراً من عناصر الموت، هذا في الوقت الذي يقدم فيه نفسه بوصفه مساعداً وبلسماً مخصصاً لتقوية الحياة وتحسينها؟ وما الداعي إلي إغراق الكتب؟
في مجرى الماء، وبصفة تدريجية ستسعي قراءتي لكتاب “الليالي” لا إلي تجريده من أسراره (بوساطة ما لا أدري من شبكة تأويلية) بل إلي إطلاعه علي سره الخاص، وذلك دون المس بكل احتمالات معناه. وفي كل لحظة ستكون العين والإبرة حاضرتين في الموعد.