إنّ الدعوة إلى الله تعالى هي سرّ حياة الأمَّة، وروح كيانها القويم، ومُنطلق نهضتها، ومنبع سعادتها، بها عزّت وسادت، وفتحت القلوب والبلاد، وقادت الأمم والشعوب، وعندما فرّطت بها انفرط عقدها، وتفرّقت كلمتها، واضمحلّ أمرها، وامّحى أثرها، وأصبحت في ذيل الأمم ومؤخّرة الركبِ ..
إنّما الدعوةُ إلى الله تعالى سلوك أخلاقيّ قبلَ كلّ شيء، ينبع من أدب النفس وسجاياها الخيّرة، التي تَحمل الدين منهجاً عمليّاً للحياة في جميع جوانبها،
وهذه محاولةٌ أوّليّة للتعريف بركائز دعَويّة، تعالج طرفاً من هذه المآسي والمشكلات .. كانت فكرة محدودة الأبعاد، لا تتجاوز أسطراً من المداد، ثمّ ترعرعت فكرتُها، واتّسعت موضوعاتها، ونمت زرعتها، كما ينمو الجنين فيكون بشراً سويّاً، ولا أدّعي أنّها استوت على سوقها، أو آتت كلّ جناها وأكلها، وإنّما أردتّ أن أفتح الطريق بها، لتلتفت إليها أنظار العلماء والدعاة والباحثين، فيتقدّم من يكمّل أو يستدرِك، ويزيد وينقّح.
وأتمنّى أن تكون هذه الكتابة وأمثالها منهجاً للتربية الدعويّة القويمة، التي ينبغي للدعاة إلى الله تعالى أن يولوها اهتماماتهم، ويوفّروا عليها جهودهم واجتهادهم، ليتخرّج على أعينهم جيل من الدعاة، الذين يملئون الفراغ، ويسدّون الثغرات، ولا يترك الأمر للاجتهادات الفرديّة، والرغبات المتحمّسة في وقت دون آخر ..