وهو بحث لتطوير وبيان أهمية المقاصد…
فحين يتحدث الباحث في موضوع مقاصد الشريعة فإنه يعلم إن ذلك من أعظم العلوم وأهم الموضوعات، من حيث إنه يتناول ما قصد الله بإنزال أحكام الشريعة، فهو من أهم التوقيعات عن رب العالمين، إن لم يكن أهمها.
وقد كانت تلك المقاصد محط اهتمام العلماء منذ رسالة الشافعيّ، بل قبل ذلك، تجدها مقررة في أقوال من سبقه من السلف. لكنّ العلماء، على إدراكهم لأهمية هذا الباب العظيم، لم يفردوه بحديث في علم أصول الفقه، كما سنرى. بل تحدثوا عنه كمسألة من مسائل القياس والعلة، أو في موضوع الحاكم من حيث تناولهم في علم الكلام.
وقد أفرد الإمام العز بن عبد السلام موضوع المصالح في كتابه “الإحكام في قواعد الأحكام”، ثم الإمام الشاطبيّ، في “الموافقات”، حيث أفرد له كتاباً كاملاً وتناوله من جوانب عدة، فكان فيه مجدداً أصيلاً.
ومقاصد الشريعة هي الأصل الذي يقوم عليه كلّ أصل، ويندرج تحته كلّ فرع، فلا مُعوّل على رأي لم يعتبرها، أو فتوى ممن لم يتحقق بها. كيف وأصل الدين طاعة الله، وأنّى لطائع أن يطيع دون أن يعرف قصد من أطاع، دون استثناء.
فإن قال قائل: لكننا لا ندرك مقاصد الشرع في العبادات غير معقولة المعنى؟ قلنا: بلى نعرفها، ونتبعها، فإنما قصد ربنا إلى ابتلاء العباد بإقامة الشعائر بشكلٍ محدد، واختار لها أوقاتاً وأزماناً وهيئات محددة يلتزم بها المكلّف، لا يغيرها ولا يبدلها، فإن فعل فقد أدرك قصد الشارع فيها، وهو مطلق التعبد، ومطلق طاعة الأمر. إنما تحدث العلماء بأنها غير معقولة المعنى من حيث كيفياتها ومواقيتها وهيئاتها، لا مقصدها.
من هنا فإنّ هذه المقاصد تعلو ولا يعلى عليها، إذ هي ما خلق الله الخلق ليدركه، في عبادات أو معاملات، كما سنرى بعد إن شاء الله تعالى.