يُمكِن القولُ بأن القرن التاسع عشر هو قرنُ العلم الحديث؛ حيث تبلورَت المنهجيةُ العلمية، ونَضجَت طرقُ البحث في الأكاديميات والجامعات الأوروبية، خاصةً الفرنسية، ليصبح البحث العلمي جهدًا مُنظَّمًا غائيًّا تقوم به جماعاتٌ مُتعاوِنة، وتخضع نتائجُه لكثيرٍ من القواعد الصارمة والدقيقة، فكانت الاكتشافات العلمية الكبرى آنذاك نتيجةً لمشاريعَ بحثيةٍ مُتأنِّية وتجاربَ علميةٍ واعية، وليست وليدةَ الحاجة أو المُصادَفة كما كان في السابق، وربما يَعود الفضلُ الأكبر في هذه النهضة إلى كتابات الإنجليزيَّين «باكون» و«نيوتن»، التي وجدَت صدًى كبيرًا في الأوساط العلمية الفرنسية. كذلك طالما لَقيَت الجمعياتُ والمنتديات العلمية الباريسية كلَّ التشجيع والعونِ الماديِّ من ملوك فرنسا (قبل الثورة الفرنسية)، ثم الحكومة الجمهورية للثوَّار، وهما من العوامل الأساسية التي جعلَت من فرنسا القرنِ التاسع عشر مَهدًا للعلوم الحديثة في أوروبا والعالم. وقد لخَّص «إسماعيل مظهر» في هذا الكتاب مَقالاتٍ كتَبها «جون تيودور مرتز» في هذا الموضوع.