النصوص السردية وبخاصة الرواية، أضحت اليوم من الأنواع الأدبية الأكثر انتشاراً في العالم، إلى حدّ أنّ بعضهم ذهب إلى اعتبار عصرنا «عصر الرواية». وانطلاقاً من كون الرواية واحدة من «المرويات الكبرى» التي تساهم في صوغ الهويات الثقافية للأمم، بحيث أنّ السرد يؤدي وظيفة تمثيلية مهمة، أصدر الباحث العراقي عبدالله ابراهيم كتاباً بعنوان «السردية العربية الحديثة» في جزأين.
يقتفي الجزء الأول موضوع «تفكيك الخطاب الإستعماري وإعادة تفسير النشأة»، ويسعى الكاتب من خلاله إلى بناء السياق الثقافي لنشأة السردية العربية الحديثة، ويتطلّع إلى استعادة التفاعلات الثقافية، في القرن التاسع عشر، التي شهدت انهيارات نسقيّة في مفهوم الأدب، وتحلّل أبنية السرد القديم، وبداية تشكّل الأنواع الجديدة. والجدير ذكره أنّ هذا الكتاب لا يمتثل للفرضيات الشائعة حول نشأة تلك الظاهرة، إنما يدعو إلى التحرّر من هيمنة الخطاب الإستعماري الذي رسّخ جملة من التصورات الشائعة التي صاغت الوعي النقدي صوغاً قاصراً.
أمّا الجزء الثاني من الكتاب، وعنوانه «الأبنية السردية والدلالية» فيرصد تحولات الرواية وانتقالها من كونها خطاباً تعددياً منشبكاً بالخلفيات الثقافية الحاضنة له، وقد أفضى كلّ ذلك إلى ظهور عوالم سردية متنوعة في قيمها وتصوراتها ومواقفها، فلم يُسجّل السرد واقعاً أو يعكس حقيقة، بل قام بتركيب عوالم متخيلة مناظرة للعوالم الواقعية. لكنّها مختلفة عنها، إلاّ حينما يدخل التأويل في كشف بعض أوجه التماثل في ما بينها، فالعوالم المتخيلة من نتاج التمثيل السردي.