المركزية الإسلامية : صورة الآخر في الخيال الإسلامي خلال القرون الوسطى:
إنّ العودة إلى المدوّنات الكبرى في الثقافة الإسلامية، طوال القرون الوسطى، تبين بجلاء أن صورة الآخر مشوّشة، مركّبة بدرجة كبيرة من التشويه. فالمخيال الإسلامي المعبّر رمزياً وتمثيلياً عن تصوّر المسلمين للعالم خارج دار الإسلام، قد أنتج صوراً تبخيسية للآخر، فالعالم بالنسبة لذلك المخيال غفل، مبهم، بعيد عن الحق، وهو بانتظار عقيدة صحيحة تخلّصه من ضلاله، ولا تخفى التحيّزات الخاصة بذلك التمثيل، الذي استند إلى آلية مزدوجة الفعالية أخذت شكلين: ففيما يخص الذات أنتج “التمثيل” نوعاً من “الأنا” النقيّة، الحيويّة، المتعالية، والمتضمّنة للصواب المطلق، والقيم الرفيعة، والحق الدائم؛ فضخّ مجموعة من المعاني الأخلاقية المنتقاة على كل الأفعال الخاصة بها، وفيما يخص الآخر أنتج “التمثيل” “آخر” يشوبه التوتر والالتباس والانفعال أحياناً، والخمول والكسل أحياناً أخرى، وذهب فيما يخص الأقوام في المناطق النائية إلى ما هو أكثر من ذلك، حينما وصفهم بالضلال والحيوانية والتوحش والبوهيمية، وبذلك أقصى المعاني الأخلاقية المقبولة عنده، واستبعد أمل تقبّل النسق الثقافي له، فحُمّل الآخر، من خلال تفسير خاص، بقيم رتّبت بتدرّج لتكون في تعارض مع القيم الإسلامية. وبذلك اصطنع “التمثيل” تمايزاً بين الأنا والآخر، أفضى إلى متوالية من التعارضات التراتبيات التي تسهّل إمكانية أن يكون الطرف الأول في اختراق الثاني، وتخليصه من خموله وضلاله وبوهيميته ووحشيته، وإدراجه في عالم الحق؛ وهذه نتيجة تنتهي إليها كل المركزيات الثقافية والعرقية والدينية.