ميخائيل بولغاكوف
ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺳﻴﺮﺓ ﺑﻮﻟﻐﺎﻛﻮﻑ ﻣﺜﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﺪﻉ ﺳﻲﺀ ﺍﻟﺤﻆ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪﺭﻩ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻭﺑﻴﺌﺔ ﺗﺤﺎﺭﺏ ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﻭﺗﻘﺼﻴﻪ، ﻓﺎﻷﺩﻳﺐ ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﻓﻲ ﻛﻴﻴﻒ ﻷﺑﻮﻳﻦ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺮﻭﻓﺴﻮﺭ ﻓﻲ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﺩﻳﻨﻴﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻷﻡ ﻣﻌﻠﻤﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ، ﻓﻘﺪ ﻭﺍﻟﺪﻩ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻫﻘﺘﻪ، ﻭﺩﺭﺱ ﺍﻟﻄﺐ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻴﻴﻒ ﻭﺗﺨﺮﺝ ﻟﻴﻌﻴﻦ ﻃﺒﻴﺒﺎً ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻧﺎﺋﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺳﻴﺴﺠﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ ﺍﻟﻘﺼﺼﻴﺔ (ﻣﺬﻛﺮﺍﺕ ﻃﺒﻴﺐ ﺷﺎﺏ)، ﻭﻷﻧﻪ ﺃﺩﻳﺒﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺳﺘﻘﻮﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﻭﺳﻴﺔ، ﻭﺳﺘﻌﻘﺒﻬﺎ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﻳﺨﺪﻡ ﻛﻄﺒﻴﺐ، ﻳﺸﻬﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻀﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻊ ﺃﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ، ﻭﻟﻜﻦ ﻷﻥ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺧﻮﺗﻪ ﺧﺪﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻷﺑﻴﺾ ﺿﺪ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻷﺣﻤﺮ ﺍﻟﻤﻨﺘﺼﺮ، ﻗﺎﻣﺖ ﺃﺳﺮﺗﻪ ﺑﺎﻟﻬﺠﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﻌﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻴﻔﻮﺱ ﻓﻲ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻲ ﻭﺳﺘﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ.
ﺑﻌﺪ ﺷﻔﺎﺋﻪ ﺗﺮﻙ ﺑﻮﻟﻐﺎﻛﻮﻑ ﻣﻬﻨﺘﻪ، ﻭﻗﺮﺭ ﺃﻥ ﻳﺼﺒﺢ ﻛﺎﺗﺒﺎً، ﻭﻫﻮ ﻗﺮﺍﺭ ﻻ ﻧﺪﺭﻱ ﻫﻞ ﺳﻴﻨﺪﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ؟ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ (ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﻴﺘﻲ) ﻳﻀﻴﻖ ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ ﻭﻻ ﻳﻤﻨﺤﻬﻢ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﻗﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺑﻮﻟﻐﺎﻛﻮﻑ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺳﻜﻮ ﻭﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﻓﻴﻜﺘﺐ ﻗﺼﺼﺎً ﻭﻣﺴﺮﺣﻴﺎﺕ، ﺇﺣﺪﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺎﺕ (ﺃﻳﺎﻡ ﺁﻝ ﺗﻮﺭﺑﻴﻦ) ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎﻝ ﺃﻥ ﺳﺘﺎﻟﻴﻦ ﺃﻋﺠﺐ ﺑﻬﺎ ﻭﺣﻀﺮﻫﺎ 15 ﻣﺮﺓ، ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻫﻮ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻷﺑﻴﺾ !! ﻭﻫﻮ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﻛﻴﻒ ﻟﻢ ﻳﻨﻀﻢ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﺤﺮﻣﺎﺕ ﺳﺘﺎﻟﻴﻦ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ، ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺔ ﺣﺎﻝ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﻆ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎﺕ ﺑﻮﻟﻐﺎﻛﻮﻑ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﺃﻓﻀﻞ، ﻓﻘﺪ ﻣﻨﻌﺖ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﻭﺍﻟﻄﺒﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﺳﺘﺎﻟﻴﻦ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﻣﻨﻌﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺽ، ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﺩﻓﻊ ﺑﺒﻮﻟﻐﺎﻛﻮﻑ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻳﺄﺱ ﺟﻨﻮﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﺭﺳﺎﻝ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﺘﺎﻟﻴﻦ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻬﺠﺮﺓ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﻳﺮﻓﻀﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﺗﺼﺎﻻً ﻣﻦ ﺳﺘﺎﻟﻴﻦ ﻭﺗﺼﺮﻳﺢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻛﻤﺨﺮﺝ ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺡ ﺍﻟﻔﻦ، ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻜﻮ ﺣﺘﻰ ﻭﻓﺎﺗﻪ ﺳﻨﺔ 1940 ﻡ.