ابن الأثير

عز الدين أبي الحسن الجزري الموصلي (555-630 هـ) المعروف بـابن الأثير الجزري، من أبرز المؤرخين المسلمين، عاصر دولة صلاح الدين الأيوبي، ورصد أحداثها ويعد كتابه الكامل في التاريخ مرجعا لتلك الفترة من التاريخ الإسلامي.

ولد عز الدين ابي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الجزري والمعروف بعز الدين بن الأثير في 4 جمادى الآخرة سنة 555 هـ بالجزيرة المسماة في المصادر العربية الإسلامية بجزيرة ابن عمر. وهي داخلة ضمن حدود الدولة التركية حالياً في أعالي الجزيرة السورية، وقد عني أبوه بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ورحل إلى الموصل بعد أن انتقلت إليها أسرته، فسمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي، وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج، فيعرج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار، من أمثال أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي، وأبي أحمد عبد الوهّاب بن علي الصدمي. ورحل إلى دمشق، وتعلم من شيوخها وعلمائها واستمع إلى كبار فقهاء الشام وأستمر فترة من الزمن، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف.

في رحلته الطويلة لطلب العلم وملاقاة الشيوخ، والأخذ منهم، درس ابن الأثير الحديث والفقه والأصول والفرائض والمنطق والقراءات؛ لأن هذه العلوم كان يجيدها الأساتذة المبرزون ممن لقيهم ابن الأثير، غير أنه اختار فرعين من العلوم وتعمق في دراستهما هما: الحديث والتاريخ، حتى أصبح إماما في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، حافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، خبيرا بأنساب العرب وأيامهم وأخبارهم، عارفًا بالرجال وأنسابهم لا سيما الصحابة.

وعن طريق هذين العلمين بنى ابن الأثير شهرته في عصره، وإن غلبت صفة المؤرخ عليه حتى كادت تحجب ما سواها. والعلاقة بين التخصصين وثيقة جدا؛ فمنذ أن بدأ التدوين ومعظم المحدثين العظام مؤرخون كبار، نأخذ مثلا الإمام الطبري، فهو يجمع بين التفسير والفقه والتاريخ، والإمام الذهبي كان حافظا متقنا، وفي الوقت نفسه كان مؤرخا عظيما، وكذلك كان الحافظ ابن عساكر بين هاتين الصفتين، والأمثلة كثيرة يصعب حصرها. قال ابن خلكان: كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء، اجتمعت به بحلب فوجدته مكملا في الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق، فترددت إليه وكان الخادم أتابك طغرل قد أكرمه وأقبل عليه بحلب. وحدث عنه ابن الدبيثي، والقوصي، ومجد الدين ابن العديم وأبوه في (تاريخ حلب) وحدثنا عنه أبو الفضل بن عساكر، وأبو سعيد القضائي.