إن الفقه الإسلامي بما امتاز به من قوة البناء، ورسوخ الأركان، وتعدد الآفاق وسعة المصادر والأحكام، يحتاج إلى صياغة نظريات عامة له يمكن بها التعرف على مبادئه الكلية. وأسسه العامة، الشرعية والعقلية، للنفاذ إلى أغوار الأحكام الفقهية، والتفصيلات المتشعبة. ومجال هذا يعرف في عالم (أصول الفقه|) الذي وضعه الإمام الشافعي رضي الله عنه في الرسالة التي كتبها لعبد الرحمن بن مهدي، فكان بحق أول من أصّل الأصول، وقعّد القواعد، وللوصول إلى الهدف السابق يمكن الاعتماد على ما كتبه الإمام الشاطبي في كتابه (المرافقات)؛ لأنه ينفرد بمزية خاصة في كتابه علم الأصول تتميز بأنه أهتم ببيان مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية التي راعاها المشرع في التشريع، والتي لابد من العلم بها لمن يحاول استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، ثم أفاض في بحث الأحكام الشرعية والوضعية من وجهة غير الوجهة المذكورة في كتب الأصول، ثم انتقل إلى دراسة تفصيلية لمباحث الكتاب والسنة متخذاً منها ينبوعاً غزيراً لتأصيل القواعد الكلية وإبراز أسرار الشريعة، واستمداد المصادر الشرعية الأخرى منها، ثم ختم كتابه العظيم ببيان أصول الاجتهاد وأنواعه وخاصيته بالاعتماد على ركنين هما: حذف اللغة العربية، وفهم مقاصد الشريعة على كمالها.
على هذا النحو جاء كتاب الدكتور وهبة الزحيلي الذي يتناول فيه “أصول الفقه الإسلامي”، حاول فيه الجمع بين طريقة الشاطبي في “الموافقات” وبين الطريقة التقليدية في دراسة علم الأصول التي تعني ذكر قواعد الاستنباط التفصيلية أثناء مناقشة أراء الأصوليين واستخلاص النتائج منها.