“لا أتوقف. أركض مثل قشّة في مهب الريح. أكبر مع كل خطوة: أكبر على مرمى البصر. يتخطى طولي قمة الشجر. يصغر طول الجندي: يصغر على مرمى البصر”، تمتد هذه اللغة المميزة بإيجازها ووقعها المؤثر الحاد، على مساحة هذه الرواية التي تفيض شاعرية وانفعالاً، لتعبّر عن حرقة زمان ومكان مميزان في تركيبتهما وموقعهما. إنها معاناة “أفغانستانية” يعبّر عنها ابنها الكاتب ذو الموهبة الخاصة والمميزة. فالتعبير الصادق عن المعاش والحقيقي في فرحه أو مأساويته، لا يمكنه إلا الظهور بشفافية حارة تجبر متلّقيها على التواصل معه، لأنها تخترق كل القواعد الباردة والمركّبة والمفروضة، وكل الحواجز التي تعيق دخولها مباشرة إلى الحس فالقلب والعقل. الكاتب الأفغاني الذي غادر بسبب الحرب إلى باكستان ومنها إلى فرنسا حيث طلب اللجوء السياسي ودرس الفن السابع فيها، عاد إلى الكتابة ونال الجائزة الأدبية غونكور للعام 2008 عن كتابه الأدبي الأخير.
“إلى أمي/إلى أحلامها المتلاشية”، بهذا التعبير اللافت أهدى الكاتب روايته هذه التي خرجت مغمّسة بالخيال والأسطورة والخرافة والرمز والتي تنطلق جميعها من حقيقة واقع مأساوي يصعب تقّبله، تعبّرعن متاهات وضع مجبول بالرعب يحاصر الأشخاص ولا يجدون سبلاً للتعايش معه إلا بتعاطيهم الكحول إلى حد السكر وفقدان الإدراك، وإما بالجنون أو بالموت المباشر أو بالحب. في هذه المتاهات التي يسودها الظلام والخوف يتطابق المأزق مع المنفذ، ويصبح لأدنى تفصيل من تفاصيل الحياة الطبيعية قيمة إستثنائية مختلفة، وتتخذ مساحة نقطة الضوء بعداً أوسع وأشمل بكثير من حجمها الحقيقي. بجمل قصيرة تحمل قوة في التعبير الكتابي، وبصور شاعرية، وبفراغات مقصودة مليئة بالمعاني، خطّ الكاتب الأفغاني هذه الرواية النابعة من منطقة طال أمد تكبيلها وعدم استقرارها، يتحكم بها مصدران للرعب “الإيديولوجية السائدة والدين”.