الرواية القصيرة نوع روائي يشتغل بتوظيف روائي خاص للتقانات السردية، يختلف عن التوظيف السردي القصصي مثلما يختلف عن التوظيف الروائي الطويل أو الرواية الجيلية، من حيث الشخصية والحدث والزمكان والوصف والحوار وكيفية بأرنتها وسردنتها في المتن الخطابي الروائي القصير، ولم يعد تصنيف الرواية القصيرة في هذا النوع التجنيسي قائماً على مسألة الكم المرتبط بعدد محدد من الكلمات كما كان المفهوم السائد يقوم عليه، ورواية (الأجساد وظلالها) للروائي هيثم بهنام بردى جسدت على نحو وافٍ هذا التمايز الدقيق بين الرواية القصيرة والرواية غير القصيرة من جهة، وبينها وبين القصة غير القصيرة من جهة ثانية.
· الرواية: وهو ما يبوح به العنوان المذيل للمتن بـــ (الرواية القصيرة) وكذلك جل التقانات السردية التي قام عليها المتن الحكائي.
· الرواية الرسائلية: وهي عمل سردي روائي يستند في مدونته الروائية إلى سرد مخصوص آني يخاطب فيه المرسل مرسلاً إليه محدداً، وبينهما ميثاق قرائي رسائلي، ويخضع خضوعاً كاملاً لسلطة الأنا الكاتبة، وسلطة الزمن الآني لحظة الكتابة، وسلطة الظروف الزمكانية والنفسية والاجتماعية المحيطة بالكاتب، ونرصدها من خلال طبيعة الخطاب الموجه إلى عبد الرحمن منيف والذي جاء على نحو واضح وصريح في مستهل رواية هيثم المروية على لسانه:
((الدكتور عبد الرحمن منيف المحترم.
أستاذي الروائي الذي لا يبارى.
تحية ومحبة…))
إذ تكشف العتبة التوجيهية الرسائلية عن رؤية روا- سائلية تبوح بها الرسالة، بوصفها الجسر الخطابي بين الراوي والمروي له، وتقوم على منظور سردي بؤري تحضر فيها الذات الراوية بوصفها المحور الرئيس للسرد، كما يحضر مروي له خاص أيضا هو عبد الرحمن منيف، الذي يأتي حضوره ليجنس على نحو صريح الرواية بـــ (الرواية الرسائلية).
· الرواية السيرذاتية: وهي أيضا عمل سردي روائي يستند في مدونته السردية إلى سيرة المؤلف الذاتية، وتختلف عن السيرة الذاتية الروائية التي تكون في الأساس سيرة ذاتية مكتوبة بسرد روائي، وقد تمثل في هذا العمل على نحو خاص وشاخص في مواثيق قرائية متعددة، أبرزها حضور هيثم باسمه الشخصي في أكثر من مكان في المتن، كما يتمثل بحضور أخيه الشاعر المعروف زهير بهنام بردى الذي يحضر هو أيضا باسمه الشخصي في أكثر من مكان في المتن.
ولا تقف الخلخلة القرائية الأجناسية عند هذا الحد، بل تجاوزها إلى السرد اليومياتي الذي يعد أيضا نوعاً أدبياً سيرذاتياً قائماً على سرد آني حر غير مقيد بتحبيك الحدث بقدر ما هو معني بسرد إنثيالات الموقف الناجم من الحدث والذي يلح عليه ليكتبه، وغير خاضع للترتيب الزمني المتسلسل أو المحكم، بقدر ما معني بتوصيف صورة معينة أو حدث ذي طبيعة عاطفية، ولا تعمل فيها الذاكرة كما تعمل في السرد السيرذاتي، إذ إنها في المتن السيرذاتي معنية بإيجاد الروابط الزمنية والحدثية على طول مسار السرد في حين أنها في السرد اليومياتي لا تراعي ذلك مطلقاً. وقد تمثل في المتن الروائي لهيثم في ست يوميات، جاءت الثلاث الأُول متسلسلة من رقم (1) إلى رقم (3)، في حين جاءت الثلاث الأخر غير متسلسلة ومتباعدة حوت رقم (16) و(40) و(90)، في قصدية واضحة للتسريع بالسرد.
وأخيراً يمكنني القول وبكل ثقة: إن هذه الخلخلة القرائية لطبيعة التوظيف الأجناسي للرواية والتي تقودها إلى منطقة التهجين والتلاقح مع أكثر من نوع وجنس أدبين، إنما تدفع بالرواية إلى منطقة تجريبية جديدة للرواية تجعلها تدخل حقل ما بعد الحداثة بجدارة واستحقاق عاليين.