التصوف العربي الإسلامي : فرادة في الحضور الوجودي والاستحقاق القيمي :
يناقش التصوّف من حيث هو- في أحد تعريفاته الأولية – نمط من المجاهدة والرؤية النفسية التي قد يرافقها سلوك عملي جسدي، في حين يُراد منها أن تستجيب لحاجات ‹‹التصوّف›› الروحية والنفسيّة والمجتمعية العامة. وهو بوصفه نتاجاً ذهنياً، نُظر إليه على أنه مادة متممة للفلسفة العربية. لذلك سنعود إلى الوراء قليلاً، لتبيُّن ذلك في أوّلياته. فالفلسفة العربية لم تنشأ – كما يقول مستشرقون – مستقلة استقلالاً أًوّلياً، بل هي ظهرت بوصفها حيثية يونانية.
وهنا تبرز فضيلة العودة إلى الماضي المتمثلة في وضع يدينا على خصوصية الفلسفة العربية. وقد تبين لنا أن هذه الخصوصية ظهرت من موقع أنها نشأت على نحو مغاير لنشأة الفلسفة اليونانية، حيث إن نشأة هذه الأخيرة كانت في صلب الدين، بينما اليونانية قد اقتضت مواجهة الدين والأسطورة. فخصوصية الفلسفة اليونانية كمنت في أنها قامت برفض الدين والأسطورة؛ أما خصوصية الفلسفة العربية فقد كمنت في أنها قد نتَجتْ داخل الدين، ثمّ عملت على تجاوزه.