انقلبت الأمور في القرية رأسا على عقب. فثمة أم لابد أن توجد لهذا اللقيط. و طالما هي مجهولة فأي اتهام صحيح. و أي إشاعة قد تكون هي الحقيقة. و الإشاعات كثيرة و الألسنة لا تهدأ.
لأن يوسف إدريس فلاح فإنه يحسن المدارة و يستطيع أن يلف و يدور حول المعلومة التي يريد إيصالها لك ليقولها دون أن يحاسب عليها ان كان ثمة حساب. و أمثلة ذلك كثيرة في الرواية .. ابو ابراهيم شيخ المسجد و زوج أم ابراهيم القوادة التي تسعى لتوريط ليندا المسيحية في علاقة محرمة مع احمد سلطان الموظف
و كلما جاءت سيرة أبو ابراهيم في الرواية وضعوا كلمة أبو بين قوسين للتلميح على الشك في أبوته لإبراهيم أصلا.
فلماذا اختار زوجة الشيخ لتكون عاهرة و قوّادة و لماذا اختار قصة عشق محرم بين مسلم و مسيحية و لماذا اختار ان زوجة المفتش رأس السلطة تراود الأبله عن نفسه لتتأكد هل له في النساء أم أبله تماما و لماذا خيانة زوجة ساعي البريد له و محاولة أن تجعله مرسال بينها و بين عشيقها ثم يوبخها عن طريق السلطة و يستمر زوجا لها رغم ذلك. استفهامات كثيرة تركها ادريس لتأكل دماغ القاريء و تشكل رأيه و رؤيته للقرية المصرية التي لا أظن أن هناك مكان واحد على وجه الأرض يحمل كل تلك الموبقات و لكنه جمعها هنا في مكان واحد و زمان واحد لاعتبارات فنية و أدبية.
من الملاحظات الجديرة بالتسجيل أن الفاعل في جريمة الزنا هنا لم يرد ذكره إلا وقت الفعل و لم يطاله لا عار و لا مسئولية و لا إهانة و لا أي عقبات بل تحملت المرأة بالكامل كل تبعات الموقف. نعم. هذا ما حدث و يحدث و سيظل لفترة طويلة قبل أن نفيق من أوهام كثيرة نكبل بها المجتمع و نجعله يحبو على قدم واحدة في حين العالم حولنا يركض ركضا.
الرواية أحدثت هزة كبيرة في الوعي المصري وقت طرحها