حضر الدكتور أحمد أمين 1947 مؤتمراً حول فلسطين عقد في لندن، وهناك لاحظ جملة من الاختلافات بين ما يعانيه في بلاده وما عاينه في إنكلترا. اختلافات عكف على درسها، وكانت نتيجة ذلك هذا الكتاب «الشرق والغرب». وأحمد أمين، الذي كتب «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام»، علم في زمنه كمؤرخ وباحث، ولعل عام 1947 يشير إلى فترة حاسمة في علاقات الشرق بالغرب. الأربعينيات كانت المدى الزمني الذي بدأت فيه هذه الإشكالية بالتبلور، ولعل كتاب أحمد أمين «الشرق والغرب» كان لذلك رائداً في وقته.
تحتوي مقدمة أحمد أمين لدراسته على سؤال محوري هو هل أن أوروبا الحالية هي نتيجة تطورها العلمي والتاريخي أم أن هذا التطور نتج عنها وعن طبيعتها وظروفها. وواضح أن سؤال أحمد أمين لم يأت من عدم، فثمة نظرية في حينه كان تردّ التطور الاقتصادي والسياسي لأوروبا إلى طبيعتها الجغرافية والمناخية: البرد والتشكيل الجغرافي الذي يفرض داخلية شديدة على المناطق ويمنع اتصالها.
بادئ بدء يعالج أحمد أمين مصطلحي الشرق والغرب ويرى أنهما عامان والتفريق الحدي بينهما لا معنى له، وينتهي إلى القول إن الجغرافية لا تشكل فارقاً حاسماً بينهما وإن المدنية الحديثة الغربية ليست أعلى المدنيات، ففيها عيوب شائنة ورغم قيامها على العلم إلا أن الفقر الأخلاقي ماثل فيها، ومن شوائبها أنها تخص نفسها بأشياء تحرّمها على غيرها.
أما في ما يتعلق بالاستبداد والديموقراطية فإن الغرب قد عرف ديكتاتوريات قوية، بينما عرف الشرق فترات عدل، فليس الغرب ساحة للديموقراطية وليس الشرق قلعة للاستبداد. ومن عيوب المدنية الحديثة في نظر أمين: الحروب والعنصرية وعبادة القوة والمبالغة في تسليط المرأة على الرجل. والمدينة الغربية نمت بلا قلب وإن نما عقلها.