الإشكال الذي يثيره البحث، يجد تعبيره في: الإشكال الأول: فيما يتعلق بما اصطلحنا عليه بـ “العنف السياسي المؤسس في الميثولوجيا” ففي رأينا أن الميثولوجيا تشكل مفتاحاً لدراسة “تاريخية العنف السياسي”. وأن أية دراسة لتاريخية العنف السياسي تظل معنية بالإجابة عن مجموعة من التساؤلات التي نرى أنها تتشعب إلى ثلاثة تساؤلات أساسية: التساؤل الأول تاريخي، بمعنى ما هو تاريخ العنف السياسي وما هي أشكاله التي ظهر بها، وهذا التساؤل عام وخاص بآن واحد.
فهو يطال تاريخ جميع الثقافات وكذلك تاريخ ثقافة معينة خاصة ببقعة جغرافية معينة. أما السؤال/التساؤل الثاني فهو تاريخي بنيوي، بمعنى هل يشكل العنف السياسي بنية المجتمعات القديمة التي ظهرت على مسرح التاريخ والحضارات الإنسانية أم أنه طارئ وأشبه بسحابة صيف، ثم ما هو الفرق بين العنف المقدس والعنف المدنس في تاريخية هذه الثقافة موضع الدراسة.
خاصة وأننا نزعم من خلال هذه الدراسة أن العنف والقداسة يمثلان بنية داخل حقل الثقافة العربية الإسلامية. أما السؤال/التساؤل الثالث فينحو باتجاه آخر، فهو يبحث عن موقع العنف السياسي في حركاتنا السياسية المعاصرة. تلك التي ت دعي المعاصرة مع أنها تدين بوجودها السياسي إلى أشكال ميثولوجية مضمرة في معظم أشكال التعبير السياسية التي تفصح عنها (طائفية، أو قبلية مؤمثلة… الخ). في بحثنا عن “العنف السياسي في الميثولوجيا” نقف عند مستوى السؤال/التساؤل الأول.
عند الأول لأننا نرى أن البحث في تاريخ العنف السياسي وفي تاريخيته، سرعان ما يدفع بالباحث لأن يعود القهقهري، إلى التاريخ البعيد إلى أن يلامس تخوم الأكوان الميثولوجية وعالمها المدهش، عله يعثر على السر، سر البداية والنهاية كما كان يفعل المؤرخون الإسلاميون القدماء كالطبري والمسعودي والواقدي وابن هشام المعافري وحتى ابن خلدون… الخ على سبيل المثال. والتي من شأن أعمالهم أن تبين لنا حدود العلاقة بين الميثولوجيا والتاريخ، خاصة وأن التاريخ في أعمال هؤلاء الباحثين والمؤرخين الكبار لا يزيد عن كونه مسرحاً لتجليات ما هو ميثولوجي/قدسي.