الفروسية فروسيتان:
فروسية العلم والبَيان وفروسية الرَّمْي والطعان.
ولما كانَ أصْحاب النَّبِي ﷺ أكمل الخلق فِي الفروسيتين فتحُوا القُلُوب بِالحجَّةِ والبرهان والبلاد بالسَّيْفِ والسنان، وما النّاس إلّا هَؤُلاءِ الفَرِيقانِ ومن عداهما فَإن لم يكن رِدْءًا وعونا لَهما فَهُوَ كلٌّ على نوع الإنْسان! وقد أمر الله رَسُوله بجدال الكفّار والمُنافِقِينَ وجلاد أعدائه المشاقين والمحاربين فَعِلم الجِدال والجلاد من أهم العُلُوم وأنفعها للعباد فِي المعاش والمعاد ولا يعدل مداد العلماء إلّا دم الشُّهَداء والرفعة وعلو المنزلَة فِي الدّاريْنِ إنَّما هِيَ لهاتين الطّائِفَتَيْنِ وسائِر النّاس رعية لَهما منقادون لرؤسائهما.
وكثير من النّاس تشتبه عَلَيْهِ الشجاعَة بِالقُوَّةِ وهما متغايران فَإن الشجاعَة هي ثبات القلب عِنْد النَّوازِل وإن كانَ ضَعِيف البَطْش. وكانَ الصّديق -رضي الله عنه- أشْجَع الأمة بعد رَسُول الله ﷺ وكانَ عمر وغَيره أقوى مِنهُ ولَكِن برز على الصَّحابَة كلهم بثبات قلبه فِي كل موطن من المواطن الَّتِي تزلزل الجبال وهُوَ فِي ذَلِك ثابت القلب ربيط الجاش يلوذ بِهِ شجعان الصَّحابَة وابطالهم فيثبتهم ويشجعهم.