لماذا القاهرة وقد كُتب عنها آلاف الكتب والدراسات من مصريين وأجانب في العصر الحديث على الأقل، هل لأنها أكبر مدينة عربية من حيث المساحة وعدد السكان! هل لأنها من أكثر المدن تنوعًا ثقافيًا وحضاريًا، حيث مرت بالعديد من الحقب التاريخية ولا تزال باقية بها آثار شتى من معالم العالم القديم والحديث! أم لأنها عاصمة مصر الوطن العربي كما يقول البعض، ومركز الكون كما يغالي بعضهم، أو لأنها عاصمة مصر أم الدنيا كما علمونا وفطمونا عليها منذ الميلاد؟
أنا أحب القاهرة لأني وُلدت في عاصمتها الفخرية <منطقة وسط البلد>، التي عشقت أماكنها وتاريخها وأرواح ساكنيها الراحلين التي تجوب طرقها وأسلبتها كل ليلة، والمقيمين فيها الذين يتجولون ويتجادلون ويضيفون إليها أو ينتقصون منها، وكتبت عنها في كتابي <مقتنيات وسط البلد> وعندما أكتمل كتابي هذا أسميته <القاهرة وما فيها> امتنانا لهذه البقعة المباركة، التي عشنا فيها وتنسمنا نسيمها وارتوينا من عشقها وعاصرنا تحولاتها وتأسينا على ما يجري لها
والكتاب لا يتناول أحداثًا تاريخية بعينها ولا حوادث سارة أو مفجعة بذاتها، إنما هو يجري كمياه المطر كيفما اتفق، بما يحويه من مقالات وتدوينات الكتب والأخبار، وما كتبه الأجانب والمصريون والمتمصرون عن القاهرة في عهد الفاطميين وعن القاهرة الخديوية، وعن السلاطين والملوك فيما قبل ثورة يوليو 1952، وفيما حدث بعدها وصول أحيانا إلى عصرنا الحالي، في السياسة والفن والمعمار والطرائف والحوادث المفجعة، عن فنانين أحببناهم كالريحاني وأم كلثوم ومحمد فوزي وبيرم التونسي ومحمد كريم وآخرين.. عن المسرح المصري منذ نشأته الأولى والسينما التي دخلتها قبل أي بلد آخر في الشرق الأوسط، والكتاب لا يحمل إدانة لأحد، بقدر ما يقدم حوادث حدثت بالفعل بأدلتها التي شكلها وجه القاهرة المبهر الذي يعرفه العالم كله.