تقصى الأنباء اليومية المتدفقة وجدل الناس حولها, وتعفب مسلسل الشطحات العقديةوالشذوذات الفقهية والتعليقات الفكرية التى تتناسل على شبكات التواصل, والانجرار إلى مطاردة المهاترات الفكرية والقضايا الصغيرة, وتواصل التحديق فى ترقب مماحكاتها ومغايظاتها المتبادلة, والدوران اللاواعى فى مثل هذه الدوامة, وخصوصا بر الهواتف الذكية اللصيقة, يفضى بالمرء إلى الانفصال التدريجى عن روح العمل والتنفيذ والانتاج, والشعور بأن المشاهدة والتعليق هى الحالة الطبيعية التى يعيشها طالب العلم والمصلح.
والمهمة فى معالجة هذا الموضوع مركبة, فنحن بحاجة إلى شخصيات علمية وفكرية ودعوية يكون لها موقف مفصل مدون تجاه إشكالية الإنهماك المفرط فى متابعة الأحداث, بحيث يمكن إعتباره “نموذجا فكريا”, وفى ذات الوقت نحن مفتقرون إلى معايشة جزء من تجارب هؤلاء لنستثمره فى مداومة أسقام الدافعية التى ولدها الاستغراق فى الماجريات..
وسنحاول فى هذا الكتاب أن نستعرض الحدود الحاكمة لهذه الدراسة, ثم سنتعرض سويا لمنزلة الماجريات فى تصور علماء المسلمين, ثم سننتقل بعد ذلك إلى الماجريات الشبيكية والدراسات الحديثة حولها وعلائق طالب العلم بها. أما الماجريات السياسية فسنحاول فهمها من خلال دراسة نماذج علمية وفكرية جادة ومنتجة كان لها موقف من هذه الإشكالية.