يعرف الرّاهن الحضاري للعالم العربي والإسلامي حالة من البؤس والضياع والتشتت، وجهد المتصدّون للشأن الثقافي والعلمي إلى رصد مجموعة الأسباب المعلّلة لسوء هذا الراهن، وتشخيص هناته وعلّاته.
ومهما تعدّدت الأسباب فإنّ الحالة الفكرية للأمّة، هي المتضرّرة أوّلا، وهي في ذات الوقت تحاول أن تكون الأكثر إدراكا ووعيا بمختلف الأسباب التي أدّت الى هذه الحالة، ليظهر لنا أنّ وراء مجمل الأسباب الظاهرة يوجد متخفّ من الأسباب الثّابتة والمتأصّلة في عمق هذه الأزمة، وهو الموروث التقليدي الجامد للثقافة في جانبها الفكري أساسا. إذ أنّ الصراع ظلّ دائما بين اتّجاهين في التّفكير، اتّجاه ينزع نحو التّأسيس لمركزيّة لاهوتية مفعمة بالبراديغم، وآخر ذو منزع انساني، محوره الإنسان الخليفة، في حركته على الأرض، تُجاه الله تعالى والإنسان والطبيعة.