منتشياً يهزّ خلدون رأسه، كأنما دخل الآن حلقة من حلقات الذكر مما أخاف؟ ماذا أملك حتى أخاف؟ الأراضي الشاسعة لا تغيب الشمس عنها. القصور والفنادق التي ورثتها عن جدي. سياراتي. زوجاتي. المناصب الحكومية التي أتقلب فيها. وأرتشي منها. أم الذكريات العذبة والسعيدة؟ أنا خلدون العابر في هذه الدنيا . الأرض كلُّها فراشي والسماء غطائي. لا حدود ولا قيود. أينما يطيب لي المقام أقيم. عصفور مهاجر في دنيا الله الواسعة.
رفيق الشمس والليل ملكي أنا والريح صحاب من يوم ماطردوني من البيت والمدرسة. بيني وبين البحر والقمر ألفةً قديمة الذي لا يملك شيئاً لا يفقد شيئاً. الله يسامحكم بجميع هذه الممالك الزائلة.
لقد صدق جدّي يوم قال: يأتي زمان غريب يا خلدون يصير الناس فيه غير الناس والدنيا غير الدنيا. زمن لا لون له ولا طعم رائحته كرائحة الجيف. يصير الكذب فيه صدقاً، والهياج والقوة عقلاً، والظلام نوراً. عالم هو إلى عالم الحيوان أقرب القوي يفترس الضعيف، والغني يقتنص الفقير، والجاهلُ يحكم العاقل، والجبان يسوس الشجاع