يقدّم نشوان الأتاسي في هذا العمل البحثي الرصين محاولة، هي الأولى ربّما لكاتب سوري، للخوض في تاريخ سوريا الحديث بمراحله المختلفة.
وقد نجح في صفحات عمله هذا في تكثيف الكتابة لتلخيص أحداث كبرى وقعت في سوريا ومن حولها (خاصة في فلسطين) وتحليلها، ثم النظر بموازاتها الى المجتمع السوري في تحوّلاته السياسية وأحوال مكوّناته وأوضاعه الاقتصادية، ممّا جعل العمل في تقاطع دائم بين التاريخ وعلم الاجتماع السياسي، ذلك أن تأريخه إذ يبحث في الوقائع والتغيّرات الكبرى في سوريا وفي الصراعات من حولها، يشتغل في الوقت نفسه على ثنائياتٍ إشكاليةٍ داخلية بين مدينة وريف وعصبية مذهبية وأُخرى مناطقية، مبقياً العنصر الاقتصادي ومؤدّياته الطبقية حاضرة على الدوام في التحليل.
ويمكن القول أن نشوان الأتاسي يُوفّر للقرّاء في صفحات هذا الكتاب مادةّ توجز دون تبسيط تاريخاً خطيراً، ويوفّر لطلّاب العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط المعاصر نصاً يُضاف الى النصوص المختصّة بالمنطقة، مع فارقين: واحد مرتبط بكمّ المعلومات المعروضة بسلاسة وبغِنى الإحالات الى مراجع وأعمال تؤمّن زاداً بحثياً ومعرفياً غنياً ومتنوّعاً؛ وآخر يستند الى تجربة الكاتب المقيم في سوريا نفسها.
لنشوان الأتاسي الفضل إذن في تقريب تاريخ سوريا الحديث الى متناولنا، ودفعه مرّة واحدة في الصفحات التالية ليكون سياقاً غنيّاً من الأحداث والعِبر والأحوال المتدافعة على مدى قرنٍ ونيّف من الزمن. وقراءة هذا الجهد متعة وإفادة خالصة تضيء على الماضي القريب والحاضر المديد بما يُعين على فهمهما، في لحظة سوريّة تراجيدية ستفصل حُكماً بين ما كان وما سيكون.