قرأت هذا العمل شديد الإتقان والجاذبية في جلسة واحدة على غير العادة، ربما لأنه مغاير للطرائق الأدبية السائدة، فلا هو يتفلسف معقدا الأمور كعادة الأدباء الجدد ولا هو يستمر في إبهارك اللحظي دون عناية بالتفاصيل اللازمة، الرواية رائعة بحق وتستحق أن تكون بداية انطلاق جيدة للأدب الغرائبي الذي يندر أن نراه مكتوبا بالعربية بمستوى له هذا العمق، الكاتب شديد الثقافة والدراية بالنفس البشرية لكنه–بمنتهى الاحتراف– لا يجعل من أدواته الصلبة الأنيقة سوى خلفية ودعامة للرواية التي تنساب بسلاسة سحرية فتقلب صفحاتها بسرعة دون ملل أو إبطاء، يناقش قضايا هامة في إطار بريء يرفع فيه الجدل إلى درجة الشعر، والرعب إلى درجة الشاعرية هاضما بمنتهى العمق تراث بو وستيفن كنج بل إن روح رفعت إسماعيل العجوز العتيد كانت تهيمن على النصف الثاني من الرواية في شخص الطبيب الجنائي!
د. أحمد الجندي