في هذا الكتاب لن تعيش الأجواء الروحانية للحج بل ستعيش تلك الرحلة التي تذكرك بالأماكن رغم العديد من الاختلافات بين العام الذي يتحدث فيه الكاتب إلى يومنا هذا.
تعدّ رحلة جلال آل أحمد الى الحج واحدة من أندر وأثمن نصوص أدب الرحلة الى الحج. ذلك أن كاتبها من أبرز رواد القصة في الأدب الفارسي الحديث, مضافا الى أنه مفكر, وناقد, وسياسي, ورحالة, ومثقف متمرد, اجترح مغامرات فكرية لم تتوافر لمعظم أترابه, اذ تمثلت هذه المغامرات بتقلبات وتنقلات بين «محطات أربع»، وصفت بأنها «كعبات أربع» هي: موسكو, باريس, القدس, ومكة. هذه المدن ترمز الى مراحل توجهه السياسي, والثقافي, والالهامي, والايماني, وانه غادرها جميعا, باستثناء مكة, كما يؤكد شقيقه شمس آل احمد.
إنه يترجم لنا فلسفة الحج بلغة اخرى, قد يحسبها البعض نوعا من الشطحات, باعتبار أن جلال انما أتى الى الحج ليتعرف على أخيه المسلم, بل الانسان, ما يعني أنه غير مكترث بما يعرّفه بالله, ويقربه اليه, لكن قراءة متأنية ليومياته في رحلته, تدحض هذا التصور, حيث يتجلى ايمان آل احمد, واشراقات روحه, وأخلاقيته, وعواطفه البريئة, ومشاعره الرقيقة, إذ يغدو اكتشاف الآخر, ووعي آلامه وآماله, والتعايش معه, وقبوله في كل ما يوجب الخلاف معه, كل ذلك أقرب السبل الى الله تعالى. ذلك ان طريقه الى معرفة الله يمر عبر معرفة الانسان, وتبني قضاياه، والدفاع عن حقوقه المهدورة، وحرياته المغدورة.