منزل الأفغان، بناء متهدم في قرية جيكور في العراق، وهو أيضاً نفس العنوان الذي اختاره بدر شاكر السباب لديوانه الصادر خلال عام 1963، تلك المجموعة من القصائد المعبأة بالموت التي كتبها السباب في مدينة لندن فيما كان ينتظر موته، الخاص وراء جدران مستشفى سان ماري كان مصاباً بشلل في الظهر، وبتلف منها في عضل ساقه اليمنى، مصاباً أيضاً بالسل، وكان قد ترك وطنه منذ بضع سنوات، وترك أطفاله وبيته، وانطلق يعرج على عكاز… وفي إحدى قصائده يقول “لك المد مهما استطال البلاء، ومهما استبد الألم، لك الحمد، أن الرزايا عطاء. وأن الصبابات بعض الكرام، ألم تعطني أنت هذا الظلام، وأعطيتني أنت هذا السحر، فهل تشكر الأرض قطر المطر، وتغضب أن لم يجدها الفحام” والسباب عندما كتب هذه القصيدة كان قد خرج لتوه من تجربة دينية في مدينة بيروت، وكان يفرغ قلبه من بقايا تلك التجربة… متطلعاً عبر رؤيا صوفية كلية الشمول والعمق إلى قوة الجذب في العالم.
والمرء لا يستطيع أن يتوقع إذ ذاك سوى هذا البناء الشعري الحافل بالفلسفة والرضاء الصوفي والتزام أبي العلاء الذي يتعدى حدود اللفظ وحكمة المزامير المنسوب إلى النبي أيوب. ولكن نقطة الإثارة هنا أن السياب لا يكتب، هذه الرؤيا بل يعيد بناءها من جانب محايد بطريقة متعمدة. انه لا يريد أن يضيف بعداً شعرياً إلى فكرة التراث، لذا كان كل كلمة وردت هنا تجر وراءها بعداً زمنياً حافلاً بالظلال”. ضمن هذه المقارنة تأتي إحدى مقالات الصادق النيهوم، في إطار نقد أدبي لبعض قصائد الشاعر بدر شاكر السيّاب. وتحمل تلك القراءة النقدية في ثناياها بصمات فلسفية، اجتماعية، سياسية مع استشفافات تدعو القارئ للتأمل في عطاءات الصادق النيهوم من خلال مقالاته التي احتنواها هذا الكتاب والتي تناول فيها بالنقد والتحليل أعمال كثير من الشعراء في مرحلة كتابات مقالاته هذه من هؤلاء الشعراء: عبد الوهاب البياتي، الفيتوري، نزار قباني، وشعراء آخرون، لم يبرز اسمهم كهؤلاء.