هكذا صرت من حماد إلى الناجي، ومن أكناو إلى العواد. اكتشفتُ في أيام وحدتي الأولى أن الأشياء تكبر مع الآلام. فاس من نوافذ البيت كبيرة جداً؛ متاهة من الدروب والأزقة والحارات ومنازل لا تُحصيها عين. في داخل الدار تتناسل الممرات والأبواب والقبول؛ تنهض مدينة أخرى.
صبرت ما قدر الله من أيام في بيت آل العواد. لما أثقلت علي الوحدة وكاد الصمت يُذهب بعقلي خرجت إلى الدروب أقصد بيتنا. ما كنتُ أحسب أن إبراهيم يحيي بعد الذي فعل. رفعتُ وجهي إلى السماء، كان لونها كئيباً؛ أصفر وعكراً، أقرب إلى لون القيح. خضت في الطرقات. ماتت فاس التي عهدتُ. هرب الكثير من الناس إلى الجبال وأقفلت البقية الباقية الأبواب والنوافذ على نفسها تنتظر آجالها.
دفعت دفة باب دارنا ودخلت فهجامتني رائحة العفونة في البهو تابعتُ أخي عبد الصمد ينط كقرد زائغ النظرات ومن عنقه المذبوح يسيل دم سابغ.
“الذي مات مغدوراً يعود إلى الدنيا في الهيئة التي رحل عليها”، قالت أمي. ما كانت تحسب أن المغدور أبناؤها وأن الغادر زوجها التي أحبت.