انفرد المسلمون بعلمين أساسيين في التوثيق والإبداع النظري وهما علم أصول الفقه، وعلم مصطلح الحديث وأصوله، فالأول لضبط مناهج الاستنباط والاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي بنحو صحيح، والثاني لغربلة الحديث المروي والتعرف على الحديث النبوي الثابت الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، سواء من طريق المتن أو المادة والموضوع، أو عن طريق السند المنقول والرواية الصادرة من الراوي والمنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم). وفي هذا الكتاب ينتصر البحث على علم واحد من هذين العلمين وهو أصول الفقه، حيث تم تعريفه وبيان موضوعه، ومصادر استمداده وتاريخ نشأته وتدوينه، ثم الغرض أو الفائدة من دراسته، وبيان مدارس الأصوليين والمؤلفين المتقدمين فيه، ومدى تطور أسلوب أو طريقة التأليف فيه لدى المتأخرين.
علم أصول الفقه تميز به المسلمون عن غيرهم من الأمم في العلوم المختلفة، لمعرفة كيفية استنباط الأحكام من مداركها، وتحديد مصادر الاستنباط.
وقد نشأ هذا العلم بالاعتماد على اللغة العربية، ومقاصد الشريعة، وعلم الكلام أو التوحيد، فهو ذو طبيعة معرفية خاصة.
ولكن للأصوليين مدرستان كبيرتان فيه: مدرسة المتكلمين أو الشافعية، ومدرسة الحنفية، ومنشأ الخلاف: هل الأصول النظرية مقدمة على الاجتهاد أو الفروع الفقهية؟ ستجد أيها القارئ الكريم متعة في التعرف على هاتين المدرستين بقلم المؤلف، وفي معرفة أول من دوّن هذا العلم وحدد معالمه وأبان ضوابطه، وكيفية ممارساته.