أن يكون بطل روايتك هو حُطام رجل، فهذا يُلزمك أن تُلملم شظاياه وتُعيد لصقها بعناية فائقة من أجل تكوين صورته لتظهر كاملةً ومن دون عيوب. هذا ما فعله الفنان السوري بسّام كوسا في روايته “أكثر بكثير” الصادرة حديثاً عن “دار نينوى للنشر” في دمشق، فكيف إن كان ذاك البطل موغلاً في عزلته، وغريباً في تكوينه النفسي؟ فهو منذ لحظات ولادته الأولى خرج إلى الحياة ضاحكاً مقهقهاً بدل أن يكون باكياً، ساخراً من كونه “إبن حرام” ولدته أمّه من أجير النجار بدل والده العقيم، ليس هو فقط، بل أربعة من إخوته، الذين ماتوا إما بالمرض أو بـ”حكمة والده” السكّير عندما سقى إبنته العطشى من قنينة العرق حتى فارقت الحياة.
“بمنشار النجَّار الشابّ وعدّته الكاملة، تمكَّنت أمّي من إنجاب خمسة أولاد، وكانت على استعداد لأن تنجب أكثر، لولا أنَّ النجّار الشاب غادر الحارة كلّها، بعد أن قرّر الزواج من ابنة عمّه، بناءً على رغبة أهله. كان أبي يسير في الطرقات متبختراً مثل فحلٍ حقيقيّ، وهو يوزّع التحيّات والسلامات إلى كلّ من يصادفه في طريقه.
– أهلاً يا أبا مبروك.
لقد أسمياني مبروكاً.
أذكر أنَّ أمِّي كانت تغمرني بذراعيها البضَّتين، وتعصرني بقوة وحبّ كبيرين. تتشمَّمني بنهم، كأنَّها كانت تستعيد رائحة النجّار الشابّ، وهي تهمس في أذني ضاحكة: أحبّك يا بن الحرام!”