صديقي الكاميروني، فلوبير، يقول: إني قادم إذا أراد أن يقول: إني راحل.. ونحن باقون معاً إذا كان مودعاً قبل أن يغادر. تلك كانت حيلته في تعزيم القدر. وفي هذه الرواية من يرحلون لا يفكرون في العودة، وإذا هجروا أحداً مغادرين فإنهم يهجرون إلى الأبد.
لم يطبق لعازل جفن. ما سبب هذا الهوس في مغادرة المغرب؟ ما سبب إلحاح هذه الفكرة وترددها في رأسه بعنف؟ كانت أفكاره تخيفه، وكان أرقه يضخم حيرته تلك إلى حدود مفزعة.
نهض من فراشه، وخرج إلى الشرفة المطلة على جبانة مرشان. نور بهي مفضض كان ينير البحر. راح يعد القبور لكي يهتدي، من بعد، إلى قبر نور الدين لم يكن بمقدوره أن يتصور ما حل بهذا الجسد الرائع الذي شوهته مياه البحر.
لقد أصر هو على العثور على جثة ابن عمه وصديقه. وبين الجثث المقطعة الأوصال التي ربما التهمتها أسماك القرش، كانت جثة نور الدين لا تزال سالمة، ولكن منتفخة.
من طنجة، المدينة المفتوحة الواقعة على الحافة بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط. مدينة السحر وعجيب الحكايات، المدينة المغربية التي قيل وكتب عنها الكثير، عن حياة في الظاهر، وأخرى في الباطن.
منطلقاً من طنجة، يكتب الطاهر بنجلون في هذه الرواية، تمزق المغاربة بين حبهم للمغرب ورغبتهم في مغادرته. فالشباب المغاربة، كما الأفارقة الذين يأتون إلى طنجة، وبسبب إصرارهم المتهور على لوصول إلى الضفة الأخرى –أسبانيا– يقعون فريسة المهربين والغرق في البحر، أو يضطرون لفعل ما فعله عازل الذي أصبح خليل ميكال كارهاً، وما فعلته كنزة التي تزوجت ميكال، في سبيل حلم الحصول على جواز سفر أو حتى فيزا.
بين طنجة وأسبانيا يصور الطاهر بنجلون كم أن حلم “أن ترحل” بأي وسيلة هو حلم بائس.
تحميل رواية Partir مترجمة مجاناً