هذا الكتاب: “أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية” رغم صغر حجمه وقلة أوراقه يعد من الأهمية بمكان، وهو في أصله عبارة عن بحث تقدم به اللواء “محمود شيت خطاب” إلى مجمع البحوث الإسلامية في دورته الخامسة التي عقدت في القاهرة خلال شهر ذي الحجة 1389هـ الموافق شهر فبراير سنة 1970م، وناقش فيه الكاتب الموضوع الأبرز على الساحة وقتذاك، وهو أطماع إسرائيل الاستعمارية في صراعها مع العرب، وكانت البلدان العربية ساعتها قد خرجت من حرب خاسرة مع الكيان الصهيوني بخسارة أجزاء مهمة من الوطن العربي، كسيناء وهضبة الجولان السورية ومعظم أراضي فلسطين حتى منطقة الأردن، بعد هزيمتها المدوية في نكسة عام 1967م، وقد كان الحس الشعبي وقتها متأججًا للغاية ومتحفزًا للمواجهة مع “إسرائيل” ردًا على مواجهة العدوان بالعدوان، من منطلق قومي وعربي، فجاء الكتاب لبيان أن دوافع المطامع الصهيونية التوسعية هي دوافع عقيدية في المقام الأول لابد أن تواجه بعقيدة مضادة وعودة إلى دين الإسلام والاعتصام به،
ووضح الكاتب بشأن هذا الأمر أن إسرائيل لا تطمع في فلسطين وحدها دون سائر البلدان العربية، بل إنها منذ نشأتها وإعلان قيامها في 1948م ترى أن حدود دولتها لابد أن تشمل – كما في توراتهم – كل ما بين النيل والفرات، وقد قسم الكاتب كتابه في جزئين رئيسيين، الجزء الأول: ناقش فيه دوافع المطامع الصهيونية التوسعية، وهي دوافع عقدية واقتصادية وعسكرية وسياسية، وذكر فيه أطماع إسرائيل في الدول العربية من دول الجوار بالتفصيل من أجل إنشاء إمبراطوريتها الصهيونية، أما الجزء الثاني: فهو خاتمة البحث وذكر فيه الحل الوحيد لحل مشكلة فلسطين ألا وهو “الجهاد”، وكيفية إخراج فريضة الجهاد من نطاق الفتاوى إلى نطاق التدريب العملي، ومن عجبٍ أن الكاتب في وقته ذاك، وبرؤيته العسكرية الثاقبة، يوقن أن الحل الوحيد لإزاحة الكيان الصهيوني من المنطقة لن يتحقق إلا بالقوة والجهاد، والجهاد وحده، وأن الحل العسكري هو الخيار الوحيد المتاح للعرب في ظل التسلط الذي يمارسه الصهاينة ليل نهار على أمة الإسلام، بينما نرى في عهدنا هذا من يلتزمون مقاعد الأمم المتحدة وأرائك المؤتمرات الدولية، ويتمسكون بخيار السلام خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه للحفاظ على ما تبقى من فتات أرض فلسطين، فما الذي تغير من عهد الكاتب منذ قرابة أربعين عامًا لكي نجد في وقتنا الحالي أن مجرد ذكر كلمة “جهاد” أو “عمل جهادي” هو من قبيل الخطايا التي تحاسب عليها الأنظمة الحاكمة، وتتوعد صاحبها ومتبنيها بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!