مع وفرة المقالات والبحوث والمؤلفات عن الثورة الإسلامية وفكر قائدها الإمام الخميني بالفارسية والعربية وسواهما من اللغات، والتي أعدّها متخصصون وغيرهم، إلا أن غير واحد من أبعاد فكر وتجربة هذا المفكر القائد لم تزل تترقب محاولات مستأنفة تعيد تحليل مكونات فكره، وتتأمل عناصر تجربته، وتستكشف أسس وقواعد ومنطلقات يمكن تعميمها كأصول يهتدي بها الفكر السياسي الإسلامي، وتستقي من معينها التجارب السياسية للإسلاميين، تلك التجارب التي تلابسها مشكلات وتناقضات شتى.
وفي هذا الكتاب محاولة فريدة من نوعها هدفها تسليط الضوء على جملة من الأبعاد النظرية والعملية في فكر وتجربة الإمام الخميني بالشكل الذي يفصح عن مضامين فلسفة سياسية مستوعبة استطاع الإمام الراحل أن يفتح آفاق التجربة الإسلامية الحديثة والمعاصرة عليها. هذا وقد بدأ المؤلف دراسته ببحث تناول فيه إيمان الإمام الخميني بقيمة الإنسان الاستثنائية بين المخلوقات، فهو من منظوره الفلسفي يكتسي برؤية عرفانية تجعله يتسامى إلى الذرى فيصير (خلاصة كل موجودات العالم)، وينتقل المؤلف بعد ذلك لبيان دور الأمة في فلسفة الإمام الخميني السياسية وإيمان الإمام بالمقدرة الهائلة للأمة ورهانه على إرادتها وصمودها الذي يتحطم على صخرته جور الطواغيت وعدوانهم؛ ثم يدرس الباحث منهج الإمام في بعث دور الدين في حياة الإنسان المعاصر، وتأكيده المتواصل على أن التمسك بالدين هو الوسيلة الوحيدة لمقاومة التحديات الكبرى في حياة الأمة والانعتاق من هيمنة الاستكبار.
وفي إشارة دالة ينبه الباحث إلى تحليل الخطاب السياسي للإمام وما ينطوي عليه من إحياء وتفعيل لمصطلحات سياسية قرآنية كبديل لما هو متداول من مصطلحات مستعارة من الآخر، وكيف أن هذه المصطلحات القرآنية تحولت بالتدريج إلى شعارات تجد مدلولها في وجدان الأمة وذاكرتها التاريخية. وفي تحليله لمفهوم النهضة والتغيير في فكر الإمام الخميني يطالعنا المؤلف برؤية تفصح عن استناد فكر الإمام على التوحيد كمنطلق لحركة النهضة ورفض ما سواه، فمن التوحيد تنبثق النظرية السياسية في الإسلام، وفي هديه تتجسد التجربة السياسية وتقوم الدولة وسائر مرافقها ومؤسساتها؛ بعد ذلك يصل المؤلف إلى موقع الثقافة والإعلام في الفكر السياسي للإمام الخميني، لأن (ثقافة أي مجتمع تشكل أساساً هوية وموجودية ذلك المجتمع) في نظر الإمام؛ ومنها ينتقل إلى موقع التربية والتعليم في الفكر السياسي للإمام الخميني، وكيف أن خطابه السياسي اصطبغ بالتشديد على تزكية النفس وأثرها في العمران البشري، وأخيراً ينتهي الباحث إلى محطته النهائية في التطواف مع مرتكزات الفلسفة السياسية في فكر الإمام الخميني، وهي بحث مشروع الدولة الدينية من منظور الإمام، إذ يقوم بتجلية وتحليل هذه المسألة التي دار حولها سجال واسع بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران لدى الباحثين في الغرب والباحثين في ديارنا.