إذا كان المنهج التفكيري لمحمد عابد الجابري يقوم على صياغة إشكاليات مغلقة أشبه ما تكون بحبائس، فإن منهج طرابيشي في نقد النقد لا يسعى فقط إلى تفكيك الإشكاليات التي يأسر فيها الجابري قارئه، بل كذلك إلى اقتراح إشكاليات بديلة، مفتوحة وواعدة بفرح العقلانية بدلاً من ذلّ الدوغمائية.
إشكالية الإطار المرجعي للعقل العربي: فبعد تفكيك أسطورة عصر التدوين كما يداورها الجابري قفزاً فوق مركزية الواقعة القرآنية، يعيد ناقده بناء إحداثيات هذه الواقعة كإطار مرجعي للعقل العربي وكنقطة مركز للدائرة الحضارية العربية الإسلامية.إشكالية اللغة والعقل: ورداً على اطروحة الجابري القائلة بأن العقل العربي مريضٌ بلغته، المتّهمة بأنها لغة “بدوية”، “حسّية”، “لاتاريخية” و”لاحضارية”، يعيد ناقده بناء الواقعة اللغوية العربية في تاريخيّتها وعقلانيّتها ونصابها الحضاري.
إشكالية البنية اللاشعورية للعقل العربي: وضدّاً على القسمة الثلاثية العضال للنظام المعرفي للثقافة العربية الإسلامية إلى بيان وعرفان وبرهان، يفكّك طرابيشي مفهوم الجابري عن اللاشعور المعرفي ويكشف النقاب عن مديونيته الكاذبة لفوكو وليفي شتراوس وبياجيه.
ما يحاوله هذا الجزء الثاني من “نقد نقد العقل العربي” هو رفع الحصار الذي تضربه الابستمولوجيا الجابرية حول هذا العقل.