هذه ترجمة وليست بترجمة. لأن الترجمة يغلب أن تكون قصة حياة, وأما هذه فأحرى بها أن تسمى صورة حياة. ولأن تكون ترجمة ابن الرومى صورة خير من أن تكون قصة. لأن ترجمته لاتخرج لنا قصة نادرة بين قصص الواقع, أو الخيال, ولكننا إذا نظرنا فى ديوانه وجدنا مرآة صادقة, ووجدنا فى المرآة صورة ناطقة, لا نظير لها فيما نعلم من دواوين الشعراء, وتلك ميزة تستحق من أجلها أن يكتب فيها كتاب.
وابن الرومى شاعر كثير التوليد غواص على المعانى مستغرق لمعانيه, ولكننا لو سئلنا ما الدليل على شاعريته, لكان غبنا له أن نحصر هذا الدليل فى التوليد والغوص والاستغراق. فقد نحذف منه توليداته ومعانيه, ولا نحذف منه عناصر الشاعرية والطبيعة الفنية, فهو الشاعر من فرعه إلى قدمه والشاعر فى جيد, ورديئه, والشاعر فيما يحتفل به, وفيما يلقيه على عواهنه, وليس الشعر عنده لباسا يلبسه للزينة فى مواسم الأيام, ولا لباسا يلبسه للابتذال فى عامة الأيام. كلا! بل هو إهابه الموصول بعروق جسمه المنسوج من لحمه ودمه, فللردئ منه مثل ما للجيد من الدلالة على نفسه, والإبانة عن صحته وسقمه, بل ربما كان بعض رديئه أدل عليه من بعض جيده, وأدنى إلى التعريف به والنفاذ إليه, لأن موضوع فنه هو موضوع حياته. والمرء يحيا فى أحسن أوقاته, ويحيا فى أسوأ أوقاته, ولقد تكون حياته فى الأوقات السيئة أضعاف حياته فى أحسن الأوقات.
هذا الجانب من شاعرية ابن الرومى هو الجانب الخامل المجهول, وهو الجانب الذى وقفنا على التعريف به صفحات هذا الكتاب.