“الخميس، الصغيرة… كم أحب مغادرة هذا البلد أسافر في خيالي إلى غابات الأمازون أطير إلى كاليفورنيا أنتقل إلى باريس القرن الثامن عشر إلى ماري انطوانيت يحضر خيالي حقول الأزمنة مثل خلد الحقل… يحفر أنفاقاً صوب أمكنة أخرى… حيث لا أحد يعرف اسمي الحقيقي: كم أتمنى لو أملك طاقية الإخفاء فلا تراني العيون. أبي يقف خلف الواجهة الزجاجية لبيتنا. يحدق إلى تلك النبتة الغربية التي يسمونها “المجنونة“. يقول دون أن يلتفت متى ستنمو فتغطي هذا الزجاج العاري؟… يسمونها أحياناً “جهنمية” عيون الحرس فوق السور تحدق إلينا تخترق هذه الجدران الزجاجية، ونحن–أنا وأمي وأبي نحاول، مثل لصوص سلطت أضواء باهرة عليهم بغتة أن نختفي وراء باب نتوارى خلف جدار داخلي يجلل عري هذا البيت الزجاجي المستباح والعيون المجلقة.
ننتظر نقاب الظلام. الظلام ستارة، إزاء ثور… لا يجللنا إلا في الليل. أحس بالعراء. حتى خواطري… أحسها عارية مستباحة“. مؤنس الرزاز ينطق شخصياته يحركها يدخلها السجن ويضع آخرين منها في الإقامة الجبرية، يطوف بشخصياته في غير قطر ،عربي، ويسلط الضوء على أكثر من قضية ومرحلة. وهو ينطق شخصياته بدون صوت وذلك من خلال تنكيرهم الذي يأخذ شكل المولوج الداخلي المسموع. يخلق من اليأس تفاؤلاً وتحدياً، فأحد شخصياته، الختيار، يكتب ويحبّر وعندما ينتهي الكتابة تصادر الكلمات… لكن الرسالة تصل إلى أصحابها… من قلب الإقامة الجبرية والوحدة القاتلة تنفلت الإرادة ويشع الأمل بالمستقبل لرؤية القرن الحادي والعشرين وبطريقته يدخل الكاتب في نهاية الرواية بما يشبه الحوار مع القراء وكأنه أراد أن يجعلهم من شخصيات الرواية فيصل بهذا إلى مبتغاه ويستريح بتواضع ويختتم الكلام: “لكنه في أعماقه الخفية كان يكركر فرحاً (بخبث ومكر لأنه وجدا أخيراً عشرة قراء يقرأون روايته.