“وتمر حلوان الجميلة.. مثل حُلمٍ في المنام، حلوان.. والنيل الذي أهواه والنخل المتوّج بالحمام. حلوان والأيام ناعمة تمرّ عليّ مسرعةً كما عبر الغمام، وأبي وإسطبل الجياد أبي الحنون. أدنو.. فترسو في جبيني ركلة المهر الحرون ، وأغيب في الظلمات حيناً ثم يوقظني ضجيج المعولينْ وأبي يضمّدني ويهمس: إن تكن أنت الأشج فيالسعدك!… يا لسعد بني أمية! يا لسعد العالمين! أأنت الأشج؟! وتختفي حلوان يأخذني فراش الموت، ألمس شجّة كالجمر.. تلسع في الجبين. هوذا الأشج يخبّ نحو المسجد النبوي في عينيه أنوار، وفي شفتيه نار الظامئين هو ذا الأشج يعبّ ماء النبع.. لا يروى، ويسقيه الأساتذة الكرام، شيخ من العلماء.. يسَمعهم ويُسمعهم، ويشرق منه سمت القانتين، حتى إذا جاء المساء تجاوبت في القصر ألحان يردد رجعها الشوق الدفين، ومن الذي اختار القصيدة؟ من كساها اللحن؟ من أغوى قلوب العاشقين؟ ومن الذي يختال حين يسير.. تتبعه العذارى بابتسامات الهيام؟ ومن الذي ناءت ملابسه بما حملت من المسك الثمين؟ ومن الذي؟! ومن الذي؟! يا للأشجّ! يصارع الأهواء، تقهره فيقهرها وفي عينيه أنوارٌ وفي شفتيه نار الظامئين. مات الخليفة!.. عاش!.. مات وعاش!.. مات!.. وما تبدلت المظالم، ما تغيرت المعالم يا إله الصابرين! في كل شبر سطوة المتكبرين.. آثام الخليفة من جديد،… مات الأشج! وما يزال الظلم يرتجل المزيد من الطغاة المبدعين، مات الأشج! وما يزال الظلم ينبض بالحياة، يمشي على رأس الولاة. حاربت وحداك في مهب الريح تحلم بالعدالة يا أمير البائسين، ومضيت وحدك في مهب الريح تحلم بالعدالة يا أمير الحالمين!”.
غازي القصيبي وموسيقى كلمات تنبعث في رحاب تاريخ تروي قصة الخليفة الأشج، تأتلف المعاني مع الموسيقى، وتبرز المشاهد حية كل تفاصيلها التي سطرتها كتب التاريخ حلوان والأمير والإسطبل وركلة تدمي الجبين، وأمير أشج يضحي خامس الخلفاء الراشدين. سيرة تختصرها قصيدة القصيبي، وقصيدة تبعث في نفس القارئ سيالات من المشاعر، وتأخذه في رحلة عابراً الزمان والمكان، ومخترقاً جدر الأحاسيس ليغرق فيها