من ذا منحني الحقّ في أن أسئلّ قلمي لأنتقد “النفاق العلماني” لدى أمم أكثر تحضّراً من أمّتي وللتشهير بها وهي التي تمثّل “نموذجاً” لمستقبل لم نبلغه بعد، وقد لا تبلغه أبداً. رداً على ملاحظات قاسية كهذه قد توجّه إليّ، أقول إن كل نموذج يظل حالة خاصة غير قابلة للتكرار، وبُناة الحضارات وصنّاع التاريخ إنما يعملون ويتصرفون من غير نماذج جاهزة. من هنا، على المهووسين بالنموذج الغربي للعلمانية أن يعوا جيداً أن هذا النموذج المفترض أصبح يهدّد مستقبل الحداثة والديمقراطية وقيم التنوير ومبادئ الثورة الفرنسية بإنزياحه بعيداً عن وعود عصر الأنوار متجهاً نحو أهداف يمينية، دينية، محافظة وأحياناً إمبريالية، لا بل بات يهدد أمن ورخاء المواطنين حتى داخل المجتمعات الغربية، إنْ لم نقل بقاء الجنسي البشري نفسه. إن هذا النموذج الغربي القائم على عقيدة القوة والتفوّق، ويعيش على نهب ثروات الشعوب الفقيرة وعلى تركة التقسيم الإستعماري للعالم، وعلى رعاية النزعات العشائرية والطائفية والعسكرتارية في أقاليم الشرق والجنوب، ويوظِّف لهذه الغاية عشرات الشبكات الدينية والتبشيرية؛ إن هذا النموذج المثقل بأوهام إحتكار مفاتيح القوة والثروة والمعلم، بات يتأكل حتى القيم التي طالما شكلت “سحر الغرب” أعني: قيم العقل والمساواة والحرية، وطفق يؤذي السلام العالمي وحماية البيئة والتعايش بين الثقافات والحضارات… فلمن يؤدّدون على مسامعك بأن “الإسلام هو الحلّ”، وكذلك لمن يقولون لك إن “الغرب هو الحل”، لا تصّدقهم جميعاً، فالوعي العلماني الأصيل لا يبحث عن نموذج بديل. فالنموذج بعد كل شيء لا ينتج حضارة ولا المقلّدون يصنعون التاريخ. هذا الكتاب نصوص وحوارات صدرت في أهم الصّحف والمواقع والمجلاّت العربية: مواقع الأوان (رابطة العقلانيين العرب)، صحيفة السّفير (بيروت)، جريدة الأخبار (بيروت)، مجلّة النداء (الحزب الشيوعي اللبناني)، صحيفة الوقت (البحرين) صحيفة المنارة (بغداد)، يومية الحياة (لندن)، يومية القدس العربي (لندن)، أسبوعيّة العرب الأسبوعي (لندن)… وتلك النصوص مطارحات جُمعت وأعيدت صياغتها على هدي الصدى الرّاجع من كل مدى، ما أتاح لي فرصة أن أصغي لتردّد صوتي الخافت عبر شعاب لم أكن أدركها، ومن همس الرّجع كنت أفكر في كل مرّة من جديد.