فى هذا الكتاب مقارنة بين: طبيعة دين ٬ وواقع أمة… اعتمدت فى شرحها على المعروف من مبادئ الإسلام ٬ والمألوف من حياة المنتمين إليه. وسوف يلمس القارئ بعد الشقة بين ما يجب أن يكون… وبين ما كان بالفعل. وسيرى أسباب هذا التفاوت كما تكشف لى من خلال مدارسة التاريخ واستنباء أطواره. وإذا كنت لم أجنح إلى سرد وقائع وإحصاء أحداث ٬ فإن وضوح الواقع أغنانى عن ذلك الجهد. وهو واقع ليس بينا فى ذهنى وحدى ٬ بل هو بين فى أذهان جمهرة المشتغلين بالشئون الإسلامية. إننا نحن المسلمين أمة كبيرة عريقة.
مكثنا طوال عشرة قرون تقريبا ٬ ومكانتنا فى العالم موطدة ٬ ورسالتنا فيه مشهورة. وليست هذه القرون سواء فى ازدهارها وسنائها.. لقد كانت أخرياتها أشبه بذبالة مصباح أوشك وقوده على النفاد ٬ فهى ترتعش مع هبات النسيم ٬ ولا تبقى مع زئير العواصف. ومع تربص الأعداء وذهول المدافعين ٬ جاءت القرون الأخيرة ٬ فطوت طيا شنيعا هذه الأمة الكبيرة ٬ وفضت مجامعها ٬ ونكست راياتها ٬ وعاثت فى تراثها ٬ وفعلت به الأفاعيل…! لكن الأمة الإسلامية مزودة بدين عصى على الفناء ٬ له قدرة على تغيير الروح الهامد ٬ وتجديد الأسمال البالية… وهى ما زالت تستشفى من سقامها ٬ وتنتقل فى مراحل العافية من طور إلى طور. وتحاول أن تستعيد قواها كلها ٬ وتستأنف أداء رسالتها الأولى.