بعد كتاب “المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعلمانية” الذي وضع فيه الفيلسوف المغربي المعروف طه عبد الرحمن أصولَ نظريته في الأخلاق الائتمانية، ها هو -في هذا الكتاب الذي بين يديك- يقوم بتطبيق هذه النظرية في مجال “علم المقاصد”.
إذ يرى أن هذا العلم ينبني على مبدأ ادعاء الاختصاص بالبتِّ في مقاصد الشارع؛ فعندما يقول المقاصدي: “هذا مراد الشارع من حكمه”، فإنه لا يدَّعي معرفة حكم الشارع فحسب، بل يدَّعي أيضًا الحكم على حكمه، مما يجعل المقاصدي لا عالمًا فحسب، بل حاكمًا أيضًا؛ وإذا كانت معرفته بالحكم الشرعي تجعل علمَه يُـحصِّل “الشرعية”، فإن حكمه على الحكم الشرعي يوجب أن يُـحصِّل علمُه “المشروعية”، فضلًا عن “الشرعية”.
وقد تولَّى هذا المفكِّر المجدِّد بيان الأسس الائتمانية التي تُـمِد “علم المقاصد” بـ”المشروعية” المطلوبة، موضِّحًا كيف أن هذا الإمداد التأسيسي، بقدر ما يفتح في هذا العلم آفاقًا أخلاقية غير مسبوقة، فإنه يستلزم إعادة النظر في بعض المفاهيم والتصوّرات والمسلّمات التي لا تزال تحول دون انطلاق هذا العلم إلى أُفق أرحب، بحيث يصير علمًا أخلاقيًّا عالميًّا.