على لهيب الأعوام الماضية التى لقبت ب “الحرب العالمية على الإرهاب” قذفت وسائل الإعلام المختلفة فى بيتنا الثقافى الخليجى لغة جديدة فى قراءة “التراث الإسلامى” استمدت شرعيتها السياسية من طرح ذاتها كطوق نجاة بين ألسنة الحريق, وسرعان ما تبين للمراقب الذاهل أن تلك الأفكار الجديدة على مناخنا الفقهى إنما تستمد مساء من المكتبة الحداثية العربية وتنتشر صباحا فى الصحافة المحلية.
وقد كان بين أكوام هذة البرامج الحداثية فى تأويل التراث “خيط رفيع” لم يتم إلتقاطه وتسليط الضوء عليه بشكل كاف, ربما يقودنا إلى السؤال : من أين جاءالحداثيون العرب بهذه المادة التراثية الخام أثناء قراءتهم وتأويلهم للتراث الإسلامى؟
والحقيقة أنه بعد دراسة مشروعات “التأويل الحداثى للتراث” اتضح لى أنها استمدت مادتها وتحليلاتهاالأساسية من أعمال المستشرقين, وخصوصا الأعمال الإستشراقية المصوغة بالمناهج الفيلولوجية. وقد بقيت زمنا منجذبا لهذه العلاقة بين التأويل الحداثى للتراث والإستشراق الفيلولوجى, وكنت أتابعها وأندهش من متانتها, ولا أمسك بخيط من خيوط هذه العلاقة إلا ويتدلى على خيط أخر , فعزمت على إظهار هذه النتيجة فى صيغة مبرهنة ومفصلة.
فاستكشاف وتحليل هذه العلاقة غير المبرزة بين (التأويل الحداثى للتراث)و(الإستشراق الفيلولوجى) هو سؤال البحث فى هذا الكتاب الذى بين يديك, حيث سأحاول تسليط الضوء على خطوط التواصل والإستمداد بين هذين التأويلين, وخصوصا فى تقنيتها التفسيريتين المفضلتين, وهما “توفيد الأصيل” و”تسيس الموضوعى”