في الكتاب الثاني من سلسلته “دين الحياء:من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني” يتحدث الفيلسوف المغربي الدكتور “طـه عبد الرحمن” عن التحديات الأخلاقية لثورة الإعلام والاتصال، فالفقه الائتماني الذي يدعو إليه الكتاب يهدف إلى إخراج الإنسان المعاصر من أسر الصورة واشتراطاتها الأرضية والمادية إلى إبداع المصور-سبحانه وتعالى- خلقا وتصويرا وأمرا ونهيا، فمع الصورة يسترجع الإنسان عالم الأسماء الحسنى: “الباريء” و”المصور” و”الخبير” و”العليم” و”الرقيب” و”الشهيد”، فخائنة الأعين التي تبثها مادية الصورة لا تعالج إلا بروحانيات الإيمان بالمصور سبحانه
. وحقيقة الحضارة الغربية المعاصرة أنها حضارة “الشاشة” و “الفرجة” و “الصورة” حضارة يطغى عليها المادية والتجسيد، تأثرا بجذور قديمة ترجع إلى حضارة اليونان ذات التماثيل العارية والآلهة المجسدة، ولعل أخطر ما خلقته الصورة هو ظاهرة التكشف، فالبعض يدخر ذاكرته في الصورة ويتكشف لها جسديا ونفسيا، بل يتوسل بالصورة لخلق حالة تكشف عامة في المجتمع، وهو ما يناقض حقيقة خلق الإنسان القائمة على الأستار والأسرار، ومع الافتتان بالصورة تتعمق أزمة الإنسان المعاصر ذاتا ووجودا، وهو ما يفرض الاقتراب من مدلولات عالم الصورة وما تخلقه من تحد أخلاقي وإنساني…