أن الوقت قد حان لكي يحلّ مصطلح “التخيّل التاريخيّ” محلّ مصطلح “الرواية التاريخيّة”، فهذا الإحلال سوف يدفع بالكتابة السرديّة التاريخيّة إلى تخطّي مشكلة الأنواع الأدبيّة، وحدودها، ووظائفها، ثمّ إنّه يفكّك ثنائيّة الرواية والتاريخ، ويردم الهوّة فيما بينهما، ويعيد دمجهما في هُويّة سرديّة جديدة، وإلى كلّ ذلك فسوف يكبح البحث المفرط في مقدار خضوع التخيّلات السرديّة للمرجعيّات التاريخيّة، فينفتح على كتابة سردية لا تحمل وقائع التاريخ، ولا تعرّفها، إنّما تبحث في طيّاتها عن العِبر المتناظرة بين الماضي والحاضر، وعن التماثلات الرمزيّة فما بينها، فضلاً عن استيحاء التأمّلات والمصائر والتوتّرات والانهيارات القيميّة والتطلّعات الكبرى، فتجعل منها أطرًا ناظمة لأحداثها ودلالاتها، فكلّ تلك المسارات الكبرى التي يقترحها “التخيّل التاريخيّ” سوف تنقل الكتابة السرديّة من موقع جرى تقييد حدوده النوعيّة إلى تخوم رحبة للكتابة السردية المفتوحة على الماضي والحاضر؛ لأن “التخيّل التاريخيّ” هو المادّة التاريخيّة المتشكّلة بواسطة السرد، وقد انقطعت عن وظيفتها التوثيقيّة، وأصبحت تؤدّي وظيفة جماليّة، فابتكار حبكة للمادّة التاريخيّة هو الذي يحيلها إلى مادّة سرديّة. ثم أن الكتاب رحلة شائقة في السرديات الامبراطورية، ولعله من أوائل الكتب النقدية التي عالجت بتوسّع كيفية تمثيل الخطاب الاستعماري للعالم.